الجامعات وضحايا الدوجماطيقية
الاثنين - 12 سبتمبر 2022
Mon - 12 Sep 2022
غيب الموت أحد البروفيسورات في جامعة من جامعاتنا تقول المصادر إنه مات قهرا بعد معاناة طويلة من صراع فكري أدى في نهايته إلى طي قيده وفصله من الجامعة، لينتهي به الأمر إلى المرض ثم الموت.
وبلفت النظر عن آراء هذا الأكاديمي ومخالفتها لبعض آراء الأطراف الأخرى التي أصرت على إقصائه وفصله، لتنتصر عليه بالنهاية؛ إلا أن هذا مؤشر خطير لكشف ما يحدث في جامعاتنا من عمليات إقصاء متعمدة للآراء، ومؤشر كذلك لهيمنة الفكر المتطرف الآحادي؛ الذي يريد أن يسيطر على المشهد الفكري، والميدان العلمي؛ ومن ثم تعطيل العقول التي أمر الله أن تفكر وتتفكر، وتتلاقح آراؤها في ميدان العلم والمعرفة الواسع.
ولأن ما حدث للمواطن الأكاديمي -رحمه الله- بسبب الإقصاء؛ فمن المهم أن نعرف كما يقول د. أحمد سالم في كتابه «إقصاء الآخر» «أن الإقصاء من الناحية الاصطلاحية يعني قوة جماعة واحدة على منع (فرد) أو جماعة أخرى من الحصول على فرص الحياة الإيجابية، وذلك في ضوء المعايير التي تسعى الجماعة الأولى لتبريرها، ومن ثم فالإقصاء هو حشد القوة لاستبعاد أو حرمان الآخرين من الامتيازات والمكافآت». ولهذا: فالإقصاء هو أحد نتائج ممارسات العقل، أو الرأي، أو الفكر أو العقيدة المغلقة، تلك التوجهات التي تعتقد أن تفكيرها أو رأيها أو معتقدها هو وحده الذي يملك الصدق المطلق، والحق المطلق، وأن ما عداها على ضلال مطلق، وخطأ مطلق، هنا فقط يتحقق مفهوم الإقصاء.
وحين يكون مفهوم الإقصاء ذا أبعاد دينية يكون أكثر حدة، لأن أصحاب المعتقدات الدينية يضفون طابع القداسة على أفكارهم ومعتقداتهم، وبالتالي يتخذ الإقصاء طابع الحدة والعنف حين يتم تبريره بنصوص مقدسة من الكتاب والسنة، فالإقصاء إذن هو نتاج لكل فكر أحادي (دوجماطيقي)، ويصدر عن عقل لا يرى الحقيقة إلا من جانب واحد، هو الجانب الذي يعتقد فيه، وهو الذي يملك الصدق المطلق، وأي اتجاه آخر يكون على باطل مطلق.
والدوجماطيقية أو الدوغماتية أوالجزمية هي حالة من الجمود الفكري، حيث يتعصب فيها الشخص لأفكاره الخاصة لدرجة رفضه الاطلاع على الأفكار المخالفة، وإن ظهرت له الدلائل التي تثبت له أن أفكاره خاطئة سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة أفكاره وآرائه، وتعتبر حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات، لدرجة المعاداة.
وهذا الإقصاء الناتج عن الفكر الآحادي الدوجماطيقي لا شك أنه اعتداء صارخ على حق الإنسان الذي كفله له الشرع والنظام؛ وإذا كان ذلك في البيئة العلمية الأكاديمية فهو اعتداء أسوأ وأشرس على حق الإنسان؛ لأن الإقصاء في الميدان العلمي يعد قتلا للفكر، وتعطيلا للعقل، وتصحيرا متعمدا للنتاج المعرفي.
وإذا نظرنا لحادثة الإقصاء التي أودت بحياة هذا الأكاديمي السعودي نجد أن فصله يعتبر امتدادا لمعركته مع خصومه في الرأي والفكر؛ أي أن جامعته هي أيضا بمجموعها تحمل الفكر الدوجماطيقي؛ بدءا من القسم وانتهاءا بإدارة الجامعة التي قررت قفل عملية الإقصاء بالفصل؛ دون مراعاة لحقوق الأكاديمي العلمية والفكرية والوظيفية وحتى الوطنية والإنسانية.
لقد مات هذا الأستاذ الجامعي السعودي قهرا، وطويت صفحة حياته، وسبقه الكثيرون ممن عانوا من هذا الاعتداء على حقوقهم في أكثر من جامعة؛ ما يؤكد أهمية إعادة النظر في البيئات العلمية بجامعاتنا بما يضمن تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين في جانبين هما:
الجانب الأول: حق حرية التعبير وإبداء الرأي العلمي لأعضاء هيئة التدريس دون قيود من رأي آحادي مضاد (دوجماطيقي)، بل يكون الجميع سواسية تحت النظام الذي يفصّل حرية التعبير؛ استنادا إلى ما أكد عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أن «حرية التعبير بالمملكة مكفولة إلا في 3 حالات؛ وهي: الإساءة للدين الإسلامي، والأمن القومي، والتجاوزات الشخصية»، وهذه الحالات يخضع فيها المتهم لإجراءات تحقيق وتقاضي عادل ومحايد خالي من الدوجماطيقية.
الجانب الثاني: جانب الانتماء الوظيفي لعضوية هيئة تدريس الجامعات، ويجب أن يخضع هذا الجانب لنظام توظيف تضمن الدولة خلوه من احتكار وسيادة الرأي الآحادي الدوجماطيقي حتى تتحقق العدالة والمساواة بين المواطنين.
وهذان الجانبان كما هو ملاحظ تنشط فيهما الدوجماطيقية، مما تسبب في تردي مخرجات جامعاتنا، وتجميد الإنتاج الفكري لعقولنا، وهو ما يتعارض مع أهداف رؤية المملكة 2030م.
وبالرغم من أن (المادة الثانية عشرة) من النظام الأساسي للحكم تنص على أن «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام»، إلا أننا نرى حوادث الدوجماطيقية التي تتعارض مع هذه المادة في تزايد مستمر وصل بعضها إلى الموت قهرا كحالة البروف الذي آلمنا رحيله. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
alsuhaimi_ksa@
وبلفت النظر عن آراء هذا الأكاديمي ومخالفتها لبعض آراء الأطراف الأخرى التي أصرت على إقصائه وفصله، لتنتصر عليه بالنهاية؛ إلا أن هذا مؤشر خطير لكشف ما يحدث في جامعاتنا من عمليات إقصاء متعمدة للآراء، ومؤشر كذلك لهيمنة الفكر المتطرف الآحادي؛ الذي يريد أن يسيطر على المشهد الفكري، والميدان العلمي؛ ومن ثم تعطيل العقول التي أمر الله أن تفكر وتتفكر، وتتلاقح آراؤها في ميدان العلم والمعرفة الواسع.
ولأن ما حدث للمواطن الأكاديمي -رحمه الله- بسبب الإقصاء؛ فمن المهم أن نعرف كما يقول د. أحمد سالم في كتابه «إقصاء الآخر» «أن الإقصاء من الناحية الاصطلاحية يعني قوة جماعة واحدة على منع (فرد) أو جماعة أخرى من الحصول على فرص الحياة الإيجابية، وذلك في ضوء المعايير التي تسعى الجماعة الأولى لتبريرها، ومن ثم فالإقصاء هو حشد القوة لاستبعاد أو حرمان الآخرين من الامتيازات والمكافآت». ولهذا: فالإقصاء هو أحد نتائج ممارسات العقل، أو الرأي، أو الفكر أو العقيدة المغلقة، تلك التوجهات التي تعتقد أن تفكيرها أو رأيها أو معتقدها هو وحده الذي يملك الصدق المطلق، والحق المطلق، وأن ما عداها على ضلال مطلق، وخطأ مطلق، هنا فقط يتحقق مفهوم الإقصاء.
وحين يكون مفهوم الإقصاء ذا أبعاد دينية يكون أكثر حدة، لأن أصحاب المعتقدات الدينية يضفون طابع القداسة على أفكارهم ومعتقداتهم، وبالتالي يتخذ الإقصاء طابع الحدة والعنف حين يتم تبريره بنصوص مقدسة من الكتاب والسنة، فالإقصاء إذن هو نتاج لكل فكر أحادي (دوجماطيقي)، ويصدر عن عقل لا يرى الحقيقة إلا من جانب واحد، هو الجانب الذي يعتقد فيه، وهو الذي يملك الصدق المطلق، وأي اتجاه آخر يكون على باطل مطلق.
والدوجماطيقية أو الدوغماتية أوالجزمية هي حالة من الجمود الفكري، حيث يتعصب فيها الشخص لأفكاره الخاصة لدرجة رفضه الاطلاع على الأفكار المخالفة، وإن ظهرت له الدلائل التي تثبت له أن أفكاره خاطئة سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة أفكاره وآرائه، وتعتبر حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات، لدرجة المعاداة.
وهذا الإقصاء الناتج عن الفكر الآحادي الدوجماطيقي لا شك أنه اعتداء صارخ على حق الإنسان الذي كفله له الشرع والنظام؛ وإذا كان ذلك في البيئة العلمية الأكاديمية فهو اعتداء أسوأ وأشرس على حق الإنسان؛ لأن الإقصاء في الميدان العلمي يعد قتلا للفكر، وتعطيلا للعقل، وتصحيرا متعمدا للنتاج المعرفي.
وإذا نظرنا لحادثة الإقصاء التي أودت بحياة هذا الأكاديمي السعودي نجد أن فصله يعتبر امتدادا لمعركته مع خصومه في الرأي والفكر؛ أي أن جامعته هي أيضا بمجموعها تحمل الفكر الدوجماطيقي؛ بدءا من القسم وانتهاءا بإدارة الجامعة التي قررت قفل عملية الإقصاء بالفصل؛ دون مراعاة لحقوق الأكاديمي العلمية والفكرية والوظيفية وحتى الوطنية والإنسانية.
لقد مات هذا الأستاذ الجامعي السعودي قهرا، وطويت صفحة حياته، وسبقه الكثيرون ممن عانوا من هذا الاعتداء على حقوقهم في أكثر من جامعة؛ ما يؤكد أهمية إعادة النظر في البيئات العلمية بجامعاتنا بما يضمن تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين في جانبين هما:
الجانب الأول: حق حرية التعبير وإبداء الرأي العلمي لأعضاء هيئة التدريس دون قيود من رأي آحادي مضاد (دوجماطيقي)، بل يكون الجميع سواسية تحت النظام الذي يفصّل حرية التعبير؛ استنادا إلى ما أكد عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أن «حرية التعبير بالمملكة مكفولة إلا في 3 حالات؛ وهي: الإساءة للدين الإسلامي، والأمن القومي، والتجاوزات الشخصية»، وهذه الحالات يخضع فيها المتهم لإجراءات تحقيق وتقاضي عادل ومحايد خالي من الدوجماطيقية.
الجانب الثاني: جانب الانتماء الوظيفي لعضوية هيئة تدريس الجامعات، ويجب أن يخضع هذا الجانب لنظام توظيف تضمن الدولة خلوه من احتكار وسيادة الرأي الآحادي الدوجماطيقي حتى تتحقق العدالة والمساواة بين المواطنين.
وهذان الجانبان كما هو ملاحظ تنشط فيهما الدوجماطيقية، مما تسبب في تردي مخرجات جامعاتنا، وتجميد الإنتاج الفكري لعقولنا، وهو ما يتعارض مع أهداف رؤية المملكة 2030م.
وبالرغم من أن (المادة الثانية عشرة) من النظام الأساسي للحكم تنص على أن «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام»، إلا أننا نرى حوادث الدوجماطيقية التي تتعارض مع هذه المادة في تزايد مستمر وصل بعضها إلى الموت قهرا كحالة البروف الذي آلمنا رحيله. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
alsuhaimi_ksa@