الضرورة العربية.. تجسير الروابط بين الدولة والمجتمع
الأحد - 11 سبتمبر 2022
Sun - 11 Sep 2022
امتدادا للمقالين السابقين إذ تعرضنا فيهما إلى النظام السياسي الديمقراطي بعد نشر شبكة «البارومتر العربي» البحثية دراسة بينت استمرار ميل المواطن العربي في عشر دول إلى النظم الديمقراطية، مع الإشارة إلى أن من بين تلك الدول كانت ليبيا والسودان ولبنان والعراق ومصر وتونس، وباستثناء مصر، تشترك هذه الدول في عيشها حالة من عدم الاستقرار السياسي وتراجعا في مستوى المعيشة والأمن؛ لذا وجب ألا نكتفي بالقول بأن النظم الديمقراطية غير صالحة لهذه المنطقة، بل أن نقدم مفتاحا أوليا لمقاربة بديلة قد تنتشل هذا المواطن البائس من ويلات جاذبية الديمقراطية بعد نحو أكثر من عقد على اشتعال هذه العدوى في هذه الدول العربية، وهي محاولة انطلقت من ملامسة طبيعة الروابط بين الدولة والمجتمع التي تتشكل تفاعلاتها من خلال المؤسسات السياسية، وهي روابط ذات علاقة طردية في الاتجاهين، أي أن الروابط كلما توثقت عززت من حالة الاستقرار، بينما في تراجعها تآكل للدولة ودخول في الأزمات المتلاحقة حتى يصبح تقويمها صعب.
هذه الحالة التي يعيشها المواطن العربي، خاصة في تلك الدول التي يتزمت حلها عن الظهور من سردابه، هي حالة متقدمة مما يمكن وصفه بازدواجية الشخصية العربية نجمت عن التنظير المستمر في عقلية الحاكم والتجاهل غير المبرر للحديث عن عقلية المحكوم، حتى أصبح المواطن العربي يتصف بنزعته المتعاظمة نحو إيلاء شؤون الحكم مكانة شخصية تفوق ما يمكن أن تحققه الأهداف الوجودية للدولة نفسها، فأصبح تاليا لا يستطيع التخلص من ميله إلى نظم سياسية أخرى غير الديمقراطية تتولد من تاريخه وتجاربه السياسية والاجتماعية، ولا هو الذي يرفضها كاملة ويفكر ببديل عنها يتناسب وتركيب ذهنيته الاجتماعية كذلك، بل باتت الديمقراطية وكل مفرداتها في وجدانه تنتج شعارات تساوي إلى حد ما شعارات الاعتزاز والفخر لدى أسلافنا في القبيلة البدائية بعدما كانوا ينهبون ويسلبون ثم يقدمون هذه السلوكيات على أنها أمجاد أخرى على مسرح البسالة، هذا المواطن العربي نفسه الذي يذهب بكامل إيمانه لانتخاب حزب لا ينتمي إلى عالم السياسة، وهو نفسه من يتهم هاته الأحزاب بالفساد والطائفية والتخلف والرجعية؛ وعليه لابد أن يتخلص المواطن العربي من إحدى هاتين الشخصيتين ويقرر ما إذا كان يميل إلى تثبيت هذه الديمقراطية الحضيضة في واقعه، أم أنه فعلا يرغب في الخلاص من نتائجها.
وإذا ما تحسسنا مكامن الخلل في تلك البلدان سنجدها واضحة في وجود فجوة شاسعة في الروابط بين الدولة والمجتمع تسببت في عدم الفهم الانعكاسي المتبادل بين الدولة ومجتمعها، وعملت التدخلات الخارجية على اتساعها أيضا وزيادة حدّيتها، خاصة وأن تلك المجتمعات في الأساس هي مجتمعات متنوعة تحتاج إلى أن تكون روابطها مع الدولة مبنية من خلال مؤسسات قوية وشاملة تمنع تفشي الفساد وتركز السلطات في أماكنها وحدودها اللازمة، لا أن تتعرض إلى تدخلات خارجية تزيد من انقساماتها بما يستحيل على مبدأ التعايش السلمي أن يهضمه؛ وهذا يعني بالضرورة أن أية مآرب سياسية في هذه البلدان لن تتحقق بوجود أطراف دولية ووكالات أممية مهما ادعت هذه الأطراف أنها قادرة على الاضطلاع بأدوار ضامنة في هذا المجال، إذ إن ما ستقدمه لن يعدو عن كونه حرقا لمراحل إرساء وترسيخ المؤسسات القوية في تلك البلدان بحجة تداول السلطة.
وإذا ما أطلنا النظر في أسباب عدم سقوط مصر في فخ الحرب الأهلية مثل سوريا واليمن وليبيا، سنجد أن هناك سببين رئيسين: أن الحالة المصرية خالية من التدخلات الخارجية مثلما هي متحققة في التدخل الإيراني في اليمن، وتدخل حلف الناتو وروسيا وتركيا في سوريا، وتدخل حلف الناتو وتركيا في ليبيا، إضافة إلى امتلاك مصر بنية صلبة للمؤسسات السياسية متمثلة في وزارتي الداخلية والخارجية والمؤسسة الأمنية ومؤسسة الرئاسة نفسها؛ مما ساعدها على تأطير الأزمة مبكرا من جانب، والمحافظة على هيبة الدولة واستعادتها مسارا وحضورا في الداخل والخارج من جانب آخر.
إن من أهم ما قدمته هذه التجارب المهولة والمأساوية من دروس مستقاة هو أن «الديمقراطية المفروضة» غير جديرة بحل الأزمات السياسية في هذه المنطقة التي تتسم أصلا بوجود مؤسسات ضعيفة ومجتمعات متنوعة ومتعددة، وهذا يعود إلى أسباب عديدة، منها أن أبناء هذه المنطقة يحملون في تكوينهم الذاتي أسبابا نفسية - اجتماعية لا تتواءم والنظام الديمقراطي حتى مع ظنهم بميلهم إليه، وهذا يعود إلى ما كونته الفترة التاريخية بين تأسيس الدولة في المجتمعات الإسلامية - العربية مرورا بمراحل تطورها العقدية والفكرية والسياسية والاقتصادية حتى دخولها مرحلة ما بعد الاستعمار، ناهيك عن عدم ضمان الديمقراطية بممارساتها الراهنة استدامة أي حالة من الاستقرار في البلدان العربية، خاصة وأن المستهدف من التغيير المعلن في بداية هذه التجارب كانت الشخوص الموجودة في رؤوس الدول فقط، وليست العقلية الحاكمة نفسها أو المؤسسات السياسية القائمة آنذاك أو الفهم المجتمعي لدور الدولة والحاجة من وجودها، حتى تبدى النظام السياسي العربي معضلة تستعصي على الحل؛ نظرا لأن تغييرا من هذا النوع يحتاج إلى نسق ووتيرة متجانسة يتسق مع جهوزية المجتمع ومؤسسات الدولة معا وفي آن واحد أيضا، وهذا ما لم يكن موجودا في ملامح هذه التجارب كافة، لذا كانت النتيجة هي إحلال شخوص أخرى مكان الشخوص البائدة وصعود سلوك العنف المجتمعي واصطدامه بعنف الدولة كما يحصل راهنا في ليبيا وسوريا واليمن والسودان، إضافة إلى الانقسام المجتمعي على أساسات لا تنظر إلى الدولة ككيان جامع، بل كمنحة إلهية أو حق طبيعي لهذه الفئة من المجتمع أو تلك.
وهذا ما يدفع إلى أن الحل الممكن والوارد هو تغيير الحالة الوظيفية للمجتمعات العربية، لتبدأ، بدلا عن الاعتداد بالديمقراطية، في العمل على صهر كافة مكوناتها في طبقة واحدة وصولا إلى مرحلة البنيان المرصوص من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة في كل من ليبيا والسودان ولبنان والعراق وتونس، مع السعي الحقيقي إلى وقف لإطلاق النار في كل من سوريا وليبيا على غرار الهدنة في اليمن؛ لتكون هذه المؤسسات قوية وشاملة تضمن بقاء الحكومة وتحافظ على الحالة الأمنية وتترك مجالا للتنمية والعيش الكريم، وتكون قادرة على الممارسة المنتظمة بما يحفظ موازين النظام السياسي ويجسر الروابط بين الدولة والمجتمع، وهذا يعني ضرورة أن تعمل المؤسسات باستقلال عن اللاعبين السياسيين من داخل الدولة وخارجها؛ حتى لا تدفع باتجاه العمل لتحقيق المصالح الضيقة لهؤلاء وبالتالي تغفل عن حماية الدولة والمجتمع وتمزق ما تبقى من روابط، خاصة إذا ما تنبهنا إلى التراجع المتزايد في حالة الوجدان الوطني في الكثير من الحالات وتفتيته إلى هويات ضيقة دون مستوى الدولة، والذي ربما يعززه أيضا مبدأ المحاصصة القائم في أكثر من دولة تحاول منذ سنوات تطبيق الديمقراطية.
وما قدمته دول اليمن والسودان وليبيا من نماذج رئاسة جماعية أو مجالسية، يمكن فهمه على أنه محاولة لتعزيز الأدوار التي تقوم بها المؤسسات السياسية، كي تصبح شاملة لمكونات المجتمع وقوية من حيث إنتاجها لقرارات سياسية بعيدة عن حصر المصالح لذاتية أي مكون داخلي، وهذا ما يجعل عملها بطيئا لكنه في الوقت نفسه سيكون مفيدا إذا ما تذكرنا بأن الثائرين إبان هذه التجربة كانوا يتجولون بدلو فارغ في عالم خارجي يتسولون نظاما سياسيا صالحا لعالمهم الداخلي، متناسين أن لديهم في الداخل ينبوعا لا ينضب من تاريخ التجارب التي تكفل الخروج منها بنظام يحقق الاستقرار السياسي بالفعل بعيدا عن الجاذبية الأخاذة في الشعارات الديمقراطية، فالوقوف في وجه النظم السياسية المستوردة والدخيلة -مثل الديمقراطية- يشبه الوقوف في وجه معمر القذافي مثلا، الذي كان هو الآخر تتويجا لاستيراد التصور الأمريكي لمرحلة ما بعد الاستعمار في المنطقة العربية؛ لذا تبرز، إلى جانب التفكير العلني في عقلية المحكوم، ضرورة تعزيز دور المؤسسات السياسية في البلدان العربية من أجل بناء علاقة ثقة أفضل مع مواطني تلك البلدان، حيث إن كل ما يطلبه المواطن في أي دولة هو التفاعل مع حاجياته والتعبير عن تطلعاته، وما تريده الدولة هو أن تكون هي بكيانها بوتقة المجتمع وصاحبة الولاء السياسي الأكثر نزعة وتأثيرا على سلوك أفراد مجتمعها.
9oba_91@
هذه الحالة التي يعيشها المواطن العربي، خاصة في تلك الدول التي يتزمت حلها عن الظهور من سردابه، هي حالة متقدمة مما يمكن وصفه بازدواجية الشخصية العربية نجمت عن التنظير المستمر في عقلية الحاكم والتجاهل غير المبرر للحديث عن عقلية المحكوم، حتى أصبح المواطن العربي يتصف بنزعته المتعاظمة نحو إيلاء شؤون الحكم مكانة شخصية تفوق ما يمكن أن تحققه الأهداف الوجودية للدولة نفسها، فأصبح تاليا لا يستطيع التخلص من ميله إلى نظم سياسية أخرى غير الديمقراطية تتولد من تاريخه وتجاربه السياسية والاجتماعية، ولا هو الذي يرفضها كاملة ويفكر ببديل عنها يتناسب وتركيب ذهنيته الاجتماعية كذلك، بل باتت الديمقراطية وكل مفرداتها في وجدانه تنتج شعارات تساوي إلى حد ما شعارات الاعتزاز والفخر لدى أسلافنا في القبيلة البدائية بعدما كانوا ينهبون ويسلبون ثم يقدمون هذه السلوكيات على أنها أمجاد أخرى على مسرح البسالة، هذا المواطن العربي نفسه الذي يذهب بكامل إيمانه لانتخاب حزب لا ينتمي إلى عالم السياسة، وهو نفسه من يتهم هاته الأحزاب بالفساد والطائفية والتخلف والرجعية؛ وعليه لابد أن يتخلص المواطن العربي من إحدى هاتين الشخصيتين ويقرر ما إذا كان يميل إلى تثبيت هذه الديمقراطية الحضيضة في واقعه، أم أنه فعلا يرغب في الخلاص من نتائجها.
وإذا ما تحسسنا مكامن الخلل في تلك البلدان سنجدها واضحة في وجود فجوة شاسعة في الروابط بين الدولة والمجتمع تسببت في عدم الفهم الانعكاسي المتبادل بين الدولة ومجتمعها، وعملت التدخلات الخارجية على اتساعها أيضا وزيادة حدّيتها، خاصة وأن تلك المجتمعات في الأساس هي مجتمعات متنوعة تحتاج إلى أن تكون روابطها مع الدولة مبنية من خلال مؤسسات قوية وشاملة تمنع تفشي الفساد وتركز السلطات في أماكنها وحدودها اللازمة، لا أن تتعرض إلى تدخلات خارجية تزيد من انقساماتها بما يستحيل على مبدأ التعايش السلمي أن يهضمه؛ وهذا يعني بالضرورة أن أية مآرب سياسية في هذه البلدان لن تتحقق بوجود أطراف دولية ووكالات أممية مهما ادعت هذه الأطراف أنها قادرة على الاضطلاع بأدوار ضامنة في هذا المجال، إذ إن ما ستقدمه لن يعدو عن كونه حرقا لمراحل إرساء وترسيخ المؤسسات القوية في تلك البلدان بحجة تداول السلطة.
وإذا ما أطلنا النظر في أسباب عدم سقوط مصر في فخ الحرب الأهلية مثل سوريا واليمن وليبيا، سنجد أن هناك سببين رئيسين: أن الحالة المصرية خالية من التدخلات الخارجية مثلما هي متحققة في التدخل الإيراني في اليمن، وتدخل حلف الناتو وروسيا وتركيا في سوريا، وتدخل حلف الناتو وتركيا في ليبيا، إضافة إلى امتلاك مصر بنية صلبة للمؤسسات السياسية متمثلة في وزارتي الداخلية والخارجية والمؤسسة الأمنية ومؤسسة الرئاسة نفسها؛ مما ساعدها على تأطير الأزمة مبكرا من جانب، والمحافظة على هيبة الدولة واستعادتها مسارا وحضورا في الداخل والخارج من جانب آخر.
إن من أهم ما قدمته هذه التجارب المهولة والمأساوية من دروس مستقاة هو أن «الديمقراطية المفروضة» غير جديرة بحل الأزمات السياسية في هذه المنطقة التي تتسم أصلا بوجود مؤسسات ضعيفة ومجتمعات متنوعة ومتعددة، وهذا يعود إلى أسباب عديدة، منها أن أبناء هذه المنطقة يحملون في تكوينهم الذاتي أسبابا نفسية - اجتماعية لا تتواءم والنظام الديمقراطي حتى مع ظنهم بميلهم إليه، وهذا يعود إلى ما كونته الفترة التاريخية بين تأسيس الدولة في المجتمعات الإسلامية - العربية مرورا بمراحل تطورها العقدية والفكرية والسياسية والاقتصادية حتى دخولها مرحلة ما بعد الاستعمار، ناهيك عن عدم ضمان الديمقراطية بممارساتها الراهنة استدامة أي حالة من الاستقرار في البلدان العربية، خاصة وأن المستهدف من التغيير المعلن في بداية هذه التجارب كانت الشخوص الموجودة في رؤوس الدول فقط، وليست العقلية الحاكمة نفسها أو المؤسسات السياسية القائمة آنذاك أو الفهم المجتمعي لدور الدولة والحاجة من وجودها، حتى تبدى النظام السياسي العربي معضلة تستعصي على الحل؛ نظرا لأن تغييرا من هذا النوع يحتاج إلى نسق ووتيرة متجانسة يتسق مع جهوزية المجتمع ومؤسسات الدولة معا وفي آن واحد أيضا، وهذا ما لم يكن موجودا في ملامح هذه التجارب كافة، لذا كانت النتيجة هي إحلال شخوص أخرى مكان الشخوص البائدة وصعود سلوك العنف المجتمعي واصطدامه بعنف الدولة كما يحصل راهنا في ليبيا وسوريا واليمن والسودان، إضافة إلى الانقسام المجتمعي على أساسات لا تنظر إلى الدولة ككيان جامع، بل كمنحة إلهية أو حق طبيعي لهذه الفئة من المجتمع أو تلك.
وهذا ما يدفع إلى أن الحل الممكن والوارد هو تغيير الحالة الوظيفية للمجتمعات العربية، لتبدأ، بدلا عن الاعتداد بالديمقراطية، في العمل على صهر كافة مكوناتها في طبقة واحدة وصولا إلى مرحلة البنيان المرصوص من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة في كل من ليبيا والسودان ولبنان والعراق وتونس، مع السعي الحقيقي إلى وقف لإطلاق النار في كل من سوريا وليبيا على غرار الهدنة في اليمن؛ لتكون هذه المؤسسات قوية وشاملة تضمن بقاء الحكومة وتحافظ على الحالة الأمنية وتترك مجالا للتنمية والعيش الكريم، وتكون قادرة على الممارسة المنتظمة بما يحفظ موازين النظام السياسي ويجسر الروابط بين الدولة والمجتمع، وهذا يعني ضرورة أن تعمل المؤسسات باستقلال عن اللاعبين السياسيين من داخل الدولة وخارجها؛ حتى لا تدفع باتجاه العمل لتحقيق المصالح الضيقة لهؤلاء وبالتالي تغفل عن حماية الدولة والمجتمع وتمزق ما تبقى من روابط، خاصة إذا ما تنبهنا إلى التراجع المتزايد في حالة الوجدان الوطني في الكثير من الحالات وتفتيته إلى هويات ضيقة دون مستوى الدولة، والذي ربما يعززه أيضا مبدأ المحاصصة القائم في أكثر من دولة تحاول منذ سنوات تطبيق الديمقراطية.
وما قدمته دول اليمن والسودان وليبيا من نماذج رئاسة جماعية أو مجالسية، يمكن فهمه على أنه محاولة لتعزيز الأدوار التي تقوم بها المؤسسات السياسية، كي تصبح شاملة لمكونات المجتمع وقوية من حيث إنتاجها لقرارات سياسية بعيدة عن حصر المصالح لذاتية أي مكون داخلي، وهذا ما يجعل عملها بطيئا لكنه في الوقت نفسه سيكون مفيدا إذا ما تذكرنا بأن الثائرين إبان هذه التجربة كانوا يتجولون بدلو فارغ في عالم خارجي يتسولون نظاما سياسيا صالحا لعالمهم الداخلي، متناسين أن لديهم في الداخل ينبوعا لا ينضب من تاريخ التجارب التي تكفل الخروج منها بنظام يحقق الاستقرار السياسي بالفعل بعيدا عن الجاذبية الأخاذة في الشعارات الديمقراطية، فالوقوف في وجه النظم السياسية المستوردة والدخيلة -مثل الديمقراطية- يشبه الوقوف في وجه معمر القذافي مثلا، الذي كان هو الآخر تتويجا لاستيراد التصور الأمريكي لمرحلة ما بعد الاستعمار في المنطقة العربية؛ لذا تبرز، إلى جانب التفكير العلني في عقلية المحكوم، ضرورة تعزيز دور المؤسسات السياسية في البلدان العربية من أجل بناء علاقة ثقة أفضل مع مواطني تلك البلدان، حيث إن كل ما يطلبه المواطن في أي دولة هو التفاعل مع حاجياته والتعبير عن تطلعاته، وما تريده الدولة هو أن تكون هي بكيانها بوتقة المجتمع وصاحبة الولاء السياسي الأكثر نزعة وتأثيرا على سلوك أفراد مجتمعها.
9oba_91@