عبدالله محمد الشهراني

غادر محمد إلى المستقبل

الأربعاء - 07 سبتمبر 2022

Wed - 07 Sep 2022

اتصال منتظر من والدة زوجتي، مبارك .. رزقت بمحمد، لحظات جعلت الزمان يأخذني من تاريخ إلى آخر، ومن مدينة إلى حي إلى منزل صغير، إذ كيف لعبدالله الذي كان قبل زمن (قصير) طالب ابتدائي أن يصبح أبا، أن يصبح له ابن يناديه (بابا)، وأن يلقب مباشرة بأبي محمد. فرح الجد وقررت الجدة عمل «سابع» للمولود الجديد.

كبر محمد وأدخله جده رحمه الله المدرسة، وكان معه في أول يوم دراسي، محمد بالنسبة لجده «أمين سر» ولجدته «الحبيب المطاوع». تفوق محمد في دراسته واستحق بعد توفيق الله وفضله دخول مدرسة الموهوبين، وواصل تعليمه وهو يكبر يوما بعد يوم، حتى فوجئت ذات مرة بابنتي آمنة تقول لي ممازحة، «بابا .. تعرف إن محمد أطول منك»، صرخت مناديا محمد، وأوقفته إلى جواري وإذا هو فعلا أطول مني، فقلت له مهددا «لا أشوف أحد يسألك عني وتقول له هذا أبويا، قول له أخي الكبير، أي شيء، المهم دبر نفسك»، صحيح أن الموقف كان يخيم عليه الفرح والدعابة، إلا أن اللحظة التي بلّغت فيها بولادة محمد عادت إلى ذهني مرة أخرى، إذ كيف لعبدالله الذي كان لا يغادر المسبح من الفرح وهو صغير أن يصبح أبا لشاب يتجاوزه طولا.

أتم محمد دراسة الثانوية متخرجا بتفوق ولله الحمد والشكر، وبدأ يبحث في الجامعات في التخصصات الهندسية، وتم قبوله وجاء اليوم الذي لم أكن مستعدا له. أتى اليوم الذي يتوجب فيه أن يتواجد محمد بالقرب من مقر جامعته، محمد الذي لم يغب يوما عن البيت، الطفل الفتى الشاب الذي كنا نراه كل يوم بيننا، جاء ليقول «وداعا»! كم هو قاس جدا جدا منظره وهو يأخذ ملابسه ويضع أغراضه الشخصية في (كرتون).

كم هو من موقف صعب وأخواته ينظرون إليه وهو يحضّر حاجياته، وتسأل إحدى أخواته «يعني ما حتكون معنا»، ويضيف ذلك الصغير المتشبث بساقه «ما راح تجي ثاني». كم هي ثقيلة تلك التفاصيل، وقوف أمه في وداعه، بكاء جدته، لحظات خروجه من باب المنزل، مغادرة سيارته الحي. لقد كبر محمد سريعا وغادر إلى المستقبل، لم أكن موجودا حين وداعه، كنت خارج الوطن أشاهد اللقطات والصور في قروب العائلة.

ولم أتمالك أو أستطع ضبط نفسي قبل الاجتماع الذي كنت أتأهب له، لم تستأذني العيون في ذرف الدموع، ولم أتمكن من التحكم في الذاكرة التي أعادتني إلى محمد الطفل الذي كنت أحمله على ظهري وأركض به.

غادر محمد وغادر أولادكم وبناتكم جيل المستقبل ليكونوا لاحقا بمشيئة الله خير خلف لخير سلف.

@ALSHAHRANI_1400