شاهر النهاري

المساكنة.. ذات الرايات الحمر

الاثنين - 05 سبتمبر 2022

Mon - 05 Sep 2022

تتبدل مسميات وأشكال تمتع الرجل والمرأة بعسيلة بعضهما البعض، على مدى مسارات البشرية، وفي كل عصر نجد من يخطط ويقنن ويشرع لتجميل وتطبيع أقدم مهنة عرفتها البشرية.

فك كبت الغرائز، أعذار انتهكت في علاقات كان يفترض أن تكون زيجات خير في صالح تكوين الأسرة، وإنجاب الأطفال، وبناء المجتمعات النقية المترابطة الكريمة.

غير أن الانحلال الأخلاقي ظل يحيلها لمراتع انفلات وتمرد على الارتباط، كما وحوش الغاب، دون كينونة خير وتسلسل طبيعي في النسل، لتبلغ حد المتاجرة بالجسد.

حكايات عبرتها البشرية منذ الأزل، فسمعنا في جاهليتنا عن ذوات الرايات الحمر، ينزوين في خيام يطرقها كل مريد، للتنفيس عن حاجته، وبعد علاقة سريعة يرحل، وفي حال نتج عن ذلك مولود، تدخل الحكايات مراحل الإنكار وتتبع الأشباه، ومآسي أطفال لقطاء.

وفي الإسلام عرف زواج المتعة بالأجر المتيسر.

وفي عهد سطوة الصحوة الأخيرة تعددت وتراكبت مسميات إطفاء الشهوانية بزواج المسفار، والمبتعث، والسياحي، والعرفي، والسري، والطامة الكبرى المسيار، الذي يجد فيه الرجل قمة أمنياته ونيل شهواته مع التبرؤ من كل مسؤولية أو معرفة بأهل الخليلة، ودون أي التزامات أخلاقية، أو ذرية، وباشتراط موانع الحمل، على صاحبة البيت الغنية تستقبله بالترحاب والبخور، ولا يخرج من عندها إلا وقد دست في جيبه الثمن!

وقد اعتاد أغلب الدعاة حين سفرهم للدعوة بالخارج انتقاء نساء محليات بعقود على ماء، طوال فترات جهادهم بالغربة، وأموال تدفع وبركات!

علاقات آثمة يتم حمايتها بفتاوى عجيبة، وتحايل، والنتيجة تظل نفسها، بسطوة حرية الجنس بين الرجل والمرأة، وبأقل التكاليف، وانعدام العهود والمسؤوليات أمام الأهل والمجتمع، وكوارث أخلاقية وعمليات إجهاض خفية، وأيتام لا يتم الاعتراف بهم.

واليوم ومع قمة تطور العصر، وتتبع متطلبات الانفتاح ودخول منظمات حقوق الإنسان مشرعا، سمعنا عن المساكنة، وهي خروج المرأة من بيت أهلها، والسكنى مع رجل تختاره، في منزل يتفاهمان على كيفية الصرف فيه، ودون أي قيد أو شروط، أو إشهار أسري أو مجتمعي، فلا يعرف إخوة البنت اسم المُساكن لها، ولا يعرف أهله مكان سكناه!

تجارب غرائزية حيوانية يعيشها المتساكنان، وفي الغالب لا تنتهي برباط أسري، فالطرفان في النهاية يرومان عشير نقاء وعنفوان أفضل، ومساكنة أهون وأرخص، وشروط أكثر مطاطية، تسمح بالخروج من العلاقة دون حرج.

هل هذا هو التحضر الذي يبشروننا به، وهل يمكن أن تدوم مثل تلك العلاقات الفجة، وهل سيفتخر أحدا بأن ابنته أو أخته قد ساكنت عدة شباب،

أو أن يثق أحد بشاب تنقل بين بيوت المساكنة، حتى وإن لم ينتج عنها ذرية مشردة؟

أي معان للحياة الكريمة تحصل دون عقد وإشهار وارتباط بأسرة، وأعمام وأخوال، ومجتمع؟ وأين المسؤولية والعناية بالنسل، والرفقة حتى الموت؟ وأي دين وأي أخلاق تقبل مثل هذا العبث، والفوضى؟

وكيف يمكن الثقة بحياة أسرة بنيت على سطحية علاقات مادية سخيفة وعضلية هرمونية جنسية، لا شرف فيها ولا قيم، ولا تضحية، ولا وضوح مجتمعي ومسؤولية؟

عصرنا يسير نحو الهاوية، ولا ندري بعد ماذا سينالنا من معاني التشرذم، والضياع، وحقارة الاختلاط في الأنساب حد القهر واللوثة، وكم من الجرائم ستتعاظم بيننا باكتشاف ما يصنع المتفلتون في تلك المساكنة، ذات الرايات الحمر؟

shaheralnahari@