محمد النفاعي

كاراكوري مديرا – مع أو ضد؟

الاثنين - 05 سبتمبر 2022

Mon - 05 Sep 2022

في إحدى أمسيات السمر مع بعض الأصدقاء كنا نتجاذب أطراف الحديث في مواضيع شتى، حتى بدأنا نتطرق إلى الحديث عن محاور عدة في علم الإدارة ومنها الجانب الشخصي عند القادة والمدراء، وهل إظهار الحس الإنساني ولين الجانب من لدن القادة يؤدي إلى التأثير على سمة قوة الشخصية والتي تعتبر من أساسيات القيادة الناجحة داخل بيئة العمل.

هنا تنوعت الآراء وأدلى كل واحد بدلوه في هذا الجانب، وعندما حان دوري قلت للأصدقاء أتمنى أن نتبنى ما أسميه أسلوب ونظرية «الإدارة الكاراكورية» نسبة إلى الدمية اليابانية كاراكوري. أعتقد شخصيا أنه من الممكن إسقاط تصميم هذه الدمية وطريقة عملها علينا نحن بني البشر في الحياة بشكل عام وفي بيئة العمل وأسلوب القيادة بشكل خاص!

وكما جاء في بعض المصادر، هذه الدمية سميت بهذا الاسم «كاراكوري» أو الاسم الكامل باليابانية -كاراكوري نينغيوو karakuri ningy ، هي دمى متحركة أو آلة ذاتية الحركة تقليدية يابانية، كانت تصنع في القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر خلال عصر الإيدو. ولعل النوع الأكثر شهرة بين هذه الدمى الميكانيكية هو ningy chahakobi (دمية تقديم الشاي)، حيث تقف هذه الدمية على أهبة الاستعداد حاملة صحن الشاي في كلتا اليدين، وعندما يتم وضع الفنجان على الصحن تقوم الدمية بحني الرأس وتبدأ في المشي على القدمين إلى الأمام لتقديم الشاي للضيف. وبمجرد إزالة الفنجان، تتوقف الدمية عن الحركة. ثم بعد ما يتم إرجاع الفنجان الفارغ إلى الصحن، تستدير الدمية لتعود أدراجها راجعة إلى موقعها الأصلي.

ما يهمنا في هذه الدمية أنها تتميز بمظهر جذاب وأنيق يخفي تركيبها المعقد والدقيق الذي يحركها بدقة كاملة لا تشوبها شائبة. ما يميزها هو لبها والآلية المحركة داخلها المصنوعة من الخشب، حيث يجب أن تكون دقيقة وإلا ستكسر المسننات التي يتم تصنيعها بطريقة تقليدية يابانية خاصة لصناعة المسننات.

ولتوضيح ما أرمي إليه، استطردت بذكر قصة حدثت لي شخصيا مع أحد المدراء الذين عملت معهم، ففي إحدى جلسات التقييم السنوية، عاتبني لأنني كنت كما يقولون بالعامية (أعطي الموظفين وجه) والإكثار من إظهار الجانب الإنساني على حساب الصرامة في الإدارة وهذه سمة لا يحبذها في المدراء، معللا ذلك حتى نتمكن من السيطرة على بيئة العمل، هنا قلت له هل أنت راض عن إنجازاتهم وعملهم النهائي بشكل خاص ومخرجات القسم الذي أديره بشكل عام؟ قال: نعم! بل أنا منبهر من النتائج ولكنني أحب أن أراك أكثر حدة وتشددا مع موظفيك لصالحك وللصالح العام فقط!

ديننا الإسلامي حث وكافأ كثيرا على حسن الخلق واللين في المعاملات، قال تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى). وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة»، وقال أيضا: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».

ما أجمل أن نشارك الموظف لحظات الفرح والحزن على حد سواء، والأجمل أيضا أن نقول له شكرا إن أجاد وأحسن، وأن نرشده في الوقت المناسب إن أخطأ، كل هذا يحصل دون القلق من تبعات تصرفاتنا الإنسانية التي يعتقد البعض أنها ملزمة لنا بشيء أكبر لاحقا كالترقيات أو المحسوبيات والتنازلات، لكن الأهم هو الحرص منك كقائد أن تتأكد من عدم الاستفادة السلبية من الموظفين كونك لطيفا.

باختصار المظهر اللطيف لهذه الدمى لم يتعارض مع جوهرها الدقيق العالي الجودة المتمكن من تأدية مهامه على أكمل وجه، فهل أنت عزيزي القارئ مع أو ضد أن يكون مديرك «كاراكوري»؟

msnabq@