عبدالله قاسم العنزي

حجية النكول عن اليمين أمام القاضي

الأحد - 04 سبتمبر 2022

Sun - 04 Sep 2022

يعتبر موضوع الإثبات من أهم وأدق المسائل التي تواجه القاضي وهو يؤدي وظيفة الفصل في الخصومات؛ إذ إن قواعد الإثبات تهدف عموما إلى كشف الحقيقة التي تتجسد في مظهرها النهائي في الحكم الذي يصدره القاضي في الدعوى المعروضة عليه، أو ما يعبر عنه بالحقيقة القضائية.

لذا قيل بأن الحكم هو عنوان الحقيقة ومظهرها، إلا أن الحكم أو الحقيقة القضائية لا يأتي دائما مطابقا لحقيقة الواقع؛ فقد يحصل التعارض بينهما، الأمر الذي يشكل خطرا على استقرار المعاملات وإهدارا للعدالة في المجتمع، ومن هنا لزمت العناية بمسألة الإثبات والتي تعتبر هي السبيل الأوحد لتحقيق التطابق - أو على الأقل التقارب - بين الحقيقتين الواقعية والقضائية، الأمر الذي يصب في النهاية في صالح حماية الحق ذاته من الضياع.

فالحق أيا كان يرتبط من الناحية الواقعية بالقدرة على إثباته، إذ لا يمكن التمتع بحق ما دون إقامة الدليل عليه عند النزاع؛ فإن ثبت عجز مدعي الحق عن تقديم الدليل المرسوم تعذر التمسك بالحق أو المركز القانوني الذي يدعيه الشخص ولذا تأتي اليمين الحاسمة دليلا لمن لا دليل له وهي محور حديثنا هذا.

لقد حدد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يقع عليه عبء الإثبات من الخصوم بقوله «لو أعطي الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وفي رواية أخرى «اليمين على المدعى عليه».

وهذا الحديث يضع قاعدة فقهية عظيمة من قواعد الفقه الإجرائي اهتم فيها فقهاء الشريعة وفقهاء القانون بتحديد من هو المدعى واستقر الأمر على أن ليس المقصود بالمدعى رافع الدعوى! ولكنه كل من ادعى على خلاف الثابت أصلا أو عرضا أو ظاهرا.

والظاهر عندهم نوعان: ظاهر بنفسه وظاهر بغيره، أما الظاهر بنفسه هو ما يكون مستفادا من الأصول كالظاهر المستفاد من البراءة الأصلية، والظاهر بغيره هو ما يستفاد من العرف أو القرائن أو دلائل الحال.

إن القاضي قد يقبل الإثبات بأي طريق إلا أنه يتمتع بسلطة تقدير واسعة في قبول نتيجة هذا الدليل وله سلطة تقدير واسعة في إدارة عملية الإثبات، ولها مظاهر عديدة أهمها ما عبرت عنه المادة الـ97 من نظام الإثبات بأن إذا عجز المدعي عن البينة وطلب يمين خصمه حلف، فإن نكل ردت اليمين على المدعي بطلب المدعى عليه، فإذا نكل المدعي عن اليمين المردودة رُدت دعواه.

لذا فإن الفقهاء اتفقوا على أنه إذا قدم المدعى دليلا مقبولا شرعا ونظاما حكم له، أما إذا عجز عن ذلك أمكنه طلب تحليف المدعى عليه باليمين فإن حلف الخصم قضي له ورفضت دعوى المدعي أما إذا رفض أداء اليمين اعتبر ناكلا وحكم ضده.

بمعنى أن المنظم السعودي يرى حجية النكول حيث إن نكول المدعى عليه عن أداء اليمين يحمل إما معنى الإقرار ضمنا بصدق المدعي في دعواه أو بمعنى آخر لو كان المدعى عليه صادقا في ما يدعيه لبرأ نفسه باليمين!

ومما يجدر الإشارة والتنبيه عليه هو أن من تغيب عن حضور الجلسة القضائية التي طلب فيها لأداء اليمين عد في نظر القانون ناكلا وأكثر القضايا يفصل فيها على هذا النحو وقد يستعصي على المحكوم ضده بالنكول أن يقدم عذرا تقبله المحكمة ففي هذه الحالة يضع نفسه في حرج وقد يخسر قضيته وهو محق فيها أو بعضهم يتورع ديانة عن الحلف وهذا خطأ لأنه سيحكم عليه بالنكول فإذا كنت محقا فلا يضيرك اليمين التي وكلت إلى ذمتك.

ختاما: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون لدي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقتطع له قطعة من النار» ولذا نحذر كل الحذر من (اليمين الغموس) وهي اليمين الكاذبة.

expert_55@