زيد الفضيل

ملتقى الأدباء وتحرير المصطلح

السبت - 03 سبتمبر 2022

Sat - 03 Sep 2022

في تغريدته العاشرة تعليقا على مجريات ملتقى الأدباء الذي انعقد الأسبوع الفائت في مدينة الطائف، وكان ثريا ببرنامجه ومتنوعا بأطروحاته وضيوفه، أشار الدكتور سعيد السريحي -وهو الناقد الكبير- إلى عمق ما أصيح منه مرارا، وكتبت حوله مقالات عدة، بل وجأرت بصوت عال في عديد من اللقاءات المتلفزة راجيا تصحيحه، وأقصد بذلك تحرير مصطلح «الأدب» لرفع اللبس الواقع حاليا بين مفهومين، أحدهما يريد حجر المصطلح على معنى معرفي محدد محصور في جنس الرواية والشعر وكتابة القصة، والآخر -وأنا منهم- يريد أن يتسع ليشمل جميع المكونات المعرفية التي تندرج ضمن مفهوم الثقافة وإطارها المنهجي.

هذا هو لب الإشكال كما أتصور والذي نص عليه صراحة الدكتور السريحي في تغريدته التي قال فيها: «إن لم يكن هناك بد من وجود متن وهامش، فإن المتن ينبغي أن يكون للأدب، البرنامج الأساسي يكون للشعر والقصة والرواية، وعلى هامش هذا المتن أو البرنامج الرئيس يمكن للدارسين أن يعقدوا جلساتهم، وللمعنيين بإدارة الثقافة أن يناقشوا ما يشاؤون».

إذن نحن أمام إشكال مصطلح وأقصد به «الأدب»، فالدكتور سعيد يحصره في الشعر والرواية والقصة، فهم الأدباء المتن المعنيين بالملتقى، وغيرهم هامش، في حين لم يكن ذلك هو المراد حال تأسيس الرواد للأندية وإطلاقهم مسمى الأدبي عليها، إذ لم ينظروا للأمر من زاوية متن وهامش، وأصيل وفرعي، بل نظروا للأمر من منظاره الأوسع وقالبه الأشمل الذي كانوا يمثلونه جملة وتفصيلا، تأسيا بما انطلق منه ياقوت الحموي في معجمه الذي سماه بـ»معجم الأدباء» الذي اشتمل على زهاء «ثمانمائة ترجمة، موزعة على نحو ثلاث وثلاثين طبقة، من نحويين، ولغويين، ونسابين، وقراء، وإخباريين، ومؤرخين، ووراقين، وكتاب، وأصحاب رسائل مدونة، وأرباب خطوط منسوبة معينة، وكل من صنف في الأدب تصنيفا أو جمع في فنه تأليفا».

إنه الأساس الذي قامت عليه مؤسسة الأندية الأدبية السعودية عام 1975م الموافق 1395هـ في كل من جدة والرياض ومكة المكرمة والطائف والمدينة المنورة وجازان، والذي انتمى إليها أغلب جيل الرواد كمحمد حسين زيدان وأحمد السباعي وعزيز ضياء ومحمد حسن عواد وآخرين غيرهم من رجال الفكر والثقافة، الذين لم يكونوا محسوبين على أي جنس من أجناس الشعر والرواية والقصة في حينه، بل كانوا كشكولين في ثقافتهم، علماء في فنون متنوعة، وبارعين في صياغة أفكارهم بما جعلهم روادا لحركة معرفية ننتمي إليها جيلا بعد جيل في وطننا الغالي.

أشير في هذا السياق إلى أني قد رجوت في مقال سابق بهذه الصحيفة الموقرة إلى أن تبادر وزارة الثقافة إلى تحرير المصطلح وإخراجه من حالة اللبس بما يتوافق مع أهداف وغايات ورؤية الوزارة في طورها الجديد بقيادة الأمير بدر آل فرحان، حيث عملت على مد يدها إلى كل أشكال الثقافة وعناوينها الرئيسة من خلال تأسيسها لإحدى عشرة هيئة وعدد غير قليل من القطاعات الثقافية، وأحد هذه الهيئات ما نحن بصدده وهي «هيئة الأدب والنشر والترجمة» التي تقوم بجهد كبير وملموس في خدمة المنتوج الثقافي بصورته المعرفية الأشمل، ولذلك رجوت أن يتم إعادة النظر في تسميتها لتكون «هيئة المعرفة والنشر والترجمة» فالمعرفة أشمل في مفهومها ودلالتها، وترفع كثيرا من اللبس الذي يمكن أن يثار في قادم الأيام، وجهة نظر أرجو أن تصل لسمو وزير الثقافة.

ختاما أجد من واجبي أن أشير إلى أهمية ما يطرحه الناقد الكبير الدكتور سعيد السريحي، وإن كنت رأيت رأيا غير ما رآه فذلك تعد مني أمامه وهو الأستاذ في فنه، بل وأراه أيقونة مهمة في منظومتنا الثقافية بوجه عام، وقامة معرفية أسست مدرسة متميزة في النقد الأدبي والثقافي تستحق من أجيالنا الشابة التتلمذ عليها، وكم أرجو من هيئة الأدب أن تؤسس كرسيا بحثيا باسمه، وآخر باسم رفيق دربه الدكتور عبدالله الغذامي، بل وأرجو أن تعود للوراء قليلا وتؤسس كراسي بحثية باسم عدد من رموز جيل الرواد، فذلك من أهداف وغايات التأسيس التراكمي للمشهد الثقافي في وطننا الغالي.

zash113@