نمر السحيمي

الأحكام الإدارية متى تصادر حقوق المواطنين؟

السبت - 03 سبتمبر 2022

Sat - 03 Sep 2022

الذي نؤمن به في بلادنا، ونطبقه في واقعنا هو الوقوف عند (حكم الشرع)، كما أمرنا ديننا الحنيف، وكما نصت عليه أنظمة بلادنا.

يكون ذلك حين يستنفذ المدعي كافة إجراءات التقاضي، فيكون الحكم قطعيا أو مكتسبا للصفة القطعية؛ لذا فعند وصول الحكم لهذه الصفة فلن يبطله الملك (حفظه الله) سواء كان الحكم لك أو عليك؛ ما يدل على أن أحكام القضاء الشرعي محترمه في بلادنا.

والقضاء بالمملكة كما هو معروف نوعان؛ النوع الأول القضاء الشرعي الذي تمثله وزارة العدل بمحاكمها الشرعية.

أما النوع الثاني فهو القضاء الإداري الذي يمثله ديوان المظالم بمحاكمه الإدارية.

والنوع الثاني (القضاء الإداري) هو ما سيكون حوله الحديث في هذا المقال، ويعد ديوان المظالم الجهة التي تعرف بأنها «هيئة قضاء مستقلة ترتبط مباشرة بالملك، وتضم (16) محكمة إدارية موزعة على مناطق المملكة، تسعى لإرساء العدل والإنصاف والرقابة القضائية الفاعلة على الأعمال الإدارية من خلال الدعاوى الماثلة أمامه، لضمان حسن تطبيق الأنظمة واللوائح المقررة، وتمكين صاحب الحق من وسائل التظلم. وقد تم تحديد اختصاصات ديوان المظالم ومهامه بموجب المرسوم الملكي رقم (م/51) في عام 1982م، والمرسوم الملكي رقم (م/3) في عام (2014م) الذي ينص على نظام المرافعات بديوان المظالم».

والقضاء الإداري هو الاختصاص الأساسي للديوان ومن أجله أنشئ وهو على أربعة أنواع:

الأول: الفصل في المنازعات المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والتقاعد لموظفي الدولة ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة.

الثاني: الفصل في المنازعات المتعلقة بالطعن في القرارات الإدارية للأسباب المنصوص عليها في النظام.

الثالث: الفصل في الدعاوى المتعلقة بالتعويض الموجهة من ذوي الشأن إلى الحكومة والأشخاص ذوي الشخصية المعنوية بسبب أعمالها.

الرابع: الفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة أو إحدى الشخصيات المعنوية العامة طرفا فيها.

ومن هذه الاختصاصات يتبين أن مستند القضاء الإداري هي الأنظمة واللوائح المقررة من ولي الأمر، التي تنظم حياة الناس ومعاملاتهم، فينظر القضاء الإداري في أي مخالفات لهذه الأنظمة واللوائح قد تحدث ويصادر فيها حق مواطن، فيكون القضاء الإداري في هذه الحالة حكما بين مؤسسات الدولة وبين المتضرر (المدعى)؛ لينظر قاضي المظالم بالأنظمة واللوائح فإن تم مخالفتها بحق المتضرر فيحكم له بحقه دون تعقيد لأن الأنظمة واللوائح المقررة واضحة.

والمواطن المتضرر المدعي هو الأضعف أمام مؤسسات الدولة فيعطى حقه منها بقوة ديوان المظالم المهيمن على هذه المؤسسات لارتباطه بالملك مباشرة أو يحكم بموجب مايراه في الأنظمة واللوائح أن المواطن المدعي ليس له حق فيقف المواطن عندئذ أمام الحكم الإداري إذا اكتسب الصفة القطعية.

وما أريد الإشارة إليه أن القضاء الإداري لا يوصف حكمه بالشرعي لاحتكامه إلى الأنظمة واللوائح المقررة غير المعصومة من الثغرات كون هذه الأنظمة واللوائح أعمال بشرية متعرضة للنقص، وهذه الثغرات معترف بوجودها في أي نظام ولائحة في كل دول العالم ولها بالتأكيد تأثير على الأحكام الإدارية؛ وحول ذلك أؤكد على أن شواهد استغلال ثغرات الأنظمة واللوائح موجودة، وأن تأثير استغلال هذه الثغرات له أثره السلبي على الأحكام الإدارية وهو واقع ملموس ومحسوس ومشاهد.

ومن أهم تلك الشواهد: الاستناد على نظريات في علم الإدارة لا تتضمنها بنود الأنظمة واللوائح كاستناد بعض قضاة المظالم على (السلطة التقديرية) وعدم تقصيهم في أسبابها ومبرراتها لتحقيق العدل والإنصاف المنصوص عليهما في تعريف الديوان، وبناء على هذه السلطة التقديرية المجهولة يتم الحكم بحرمان مواطن متضرر من حقه في العمل بمؤسسة ما بعد استيفائه للشروط واجتيازه للمقابلات مع مجموعة من المنافسين؛ وذلك استنادا للسلطة التقديرية للمؤسسة دون التقصي من القاضي الإداري هل كانت هذه السلطة التقديرية متوافقة مع الأنظمة واللوائح لمصلحة الإدارة أو كانت تخالف الأنظمة واللوائح لدواعي الهوى أو انتصارا لفكر أو مذهبية أو إيديولوجية متأصلة تستعمل هذه السلطة لإقصاء خصومها.

وبناء على هذا الشاهد فإنه لا يسقط حق المواطن المتضرر من (حكم القضاء الإداري)؛ المبني بكل تفاصيلة على (السلطة التقديرية بشكلها المشوه)، وإن الحكم الإداري هذا وإن أخذ الصفة القطعية فإنه يعد حكما إداريا لا يتوافق مع تحرى العدل والمساواة التي نص عليها النظام الأساسي للحكم بالمملكة؛ لأن هذا الحكم الإداري باختصار تسبب في عدة سلبيات منها:

1 - لم يسبب الحكم نوع السلطة التقديرية التي استخدمت ضد المدعي المتضرر بل تم الاعتماد عليها دون التقصي عنها.

2 - استخدمت المؤسسة المدعى عليها هذا الحكم الجائر بشكله القطعي ضد المواطن المدعي المتضرر لإنهاء مستقبل انضمامه إليها وكأن الإدارة التي استخدمت سلطتها التقديرية المشوهة تملك هذه المؤسسة الحكومية مدى الحياة.

3 - لم يحقق الحكم الإداري المبني على السلطة التقديرية المشوهة المساواة بين المواطنين بل أهدر (حق مواطن مكتسب) بقوة الحكم الإداري المستتر بالشرعية ليتم الوقوف القهري عند شكله القطعي، وليحرم ظلما مواطن من حقه في خدمة وطنه بمرتبة أستوفى شروطها واجتاز مقابلتها التنافسية.

ولهذه الصورة فإن الحاجة لمراجعة مثل هذه الأحكام الإدارية وعرضها على الشرع الحنيف المعتمد على كتاب الله وصحيح سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو المخرج من هذه الوقائع التي تسببت فيها ثغرات الأنظمة واللوائح في القضاء الإداري؛ إن أردنا التحري في تحقيق العدل الذي قامت عليه السموات والأرض، وحق الإنسان لا يسقط في التقادم.

وبعد فإنني اؤكد على أن الدولة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله بذلت كل غال ونفيس لإعداد المواطن الصالح ليشارك في تنمية بلاده إلا أن النفوس المؤدلجة التي ساعدت بعضها للوصول للمناصب السيادية في القضاء والتعليم خاصة لا زالت تقهر المواطنين وتقصيهم وتقتل طموحاتهم بما أوتيت من قوة، فويل لتلك النفوس الخبيثة من عذاب الله (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار).

alsuhaimi_ksa@