عبدالوهاب فايز الأحمري

تهافت الطب النفسي

الاثنين - 29 أغسطس 2022

Mon - 29 Aug 2022

بدأت معضلة الطب النفسي مع تجربة الدكتور ديفيد روزنهايم عندما أرسل عدد اثني عشر شخصا يدعون إصابتهم بالهلوسة وسماع كلمة «فراغ»، المصحة احتجزت هؤلاء الأشخاص الطبيعيين الذين يدعون المرض الذين توجهوا للمصحة، لينشر ورقة علمية عن هذه التجربة في مجلة النيتشر بعد مدة من احتجازه بالمصحة. ثم تحدت إحدى المصحات بأن يرسل أي عدد يريد من الأشخاص وسوف يعملون على فرزهم وتحديد الشخص المصاب والشخص الطبيعي، لينتهي هذا الموعد بعد شهر من التحدي، أعلنت المصحة بأنها فرزت عددا من الناس ليسوا مرضى ثم خرج الدكتور ديفيد بعد انقضاء مدة التحدي وإخبارهم أنه لم يرسل أي شخص! هذه القصة تلخص إحدى معضلات الطب النفسي ألا وهي عدم وجود معايير دقيقة لتشخيص المرض.

كثير من الأطباء النفسيين يصفون أدوية للمرضى مباشرة من دون الاستماع لهم لتحديد مشكلتهم المرضية؛ لأن المرضى في الغالب يريدون التحدث عن مشاكل تواجههم في حياتهم الشخصية ويريدون من يستمع إلى شكواهم.

يفترض أن يمر المريض بالمعالج النفسي المعرفي ويتحدث معه عن شكواه ليكشف له سبب المشكلة التي تتواجد في عقله الباطن، لكن ليس هذا ما يحدث اليوم، فالمريض يتوجه للطبيب النفسي مباشرة من دون المرور بالأخصائي النفسي الذي سيكشف عن سبب المشكلة من خلال استخدام التحليل النفسي. علاوة على هذا يقوم كثير من الأطباء النفسيين بصرف أدوية نفسية للمرضى مباشرة ووضع المرضى تحت كوكتيلات علاجية تسبب لهم مشاكل تمتد لنهاية حياتهم ويتجاهلون طريقة «فرويد» في التحليل النفسي لاكتشاف سبب المشكلة في العقل الباطن.

الأطباء النفسيون لم يتوقفوا عند هذه المشكلة فقط فقد ثبت إعطاؤهم الأدوية للأطفال وصغار السن ووضعهم تحت أدوية قوية جدا تستمر معهم طول حياتهم.

في عام 1975م نشر الكتيب الثالث الصادر من الجمعية الأمريكية للطب النفسي، وكان يحتوي على الانحراف الجنسي كاضطراب نفسي، ولكن تحت ضغط من الكونجرس تم تغيير هذا الكتيب لينتهي بالجمعية الأمريكية للطب النفسي من إزالة الانحراف الجنسي كمرض عقلي! ويصدر الكتيب الرابع والخامس بدون إدراج الانحراف الجنسي كاضطراب، فكيف يعقل أن يسمح الأطباء النفسيون لمثل هذا «التخريف» في تخصصهم من قبل أشخاص غير متخصصين ويركنون لعدم مصادمة الجمهور أو كسب رضا اليسار الأمريكي!

الطب النفسي يتجاهل وسائله الطبية الحديثة التي تستخدم التصوير الإشعاعي للمخ للكشف عن أي خلل في وظائف الدماغ وفي تركيبته التشريحية. وأحد البارزين في هذا المجال هو الدكتور دانيال أمين الطبيب النفسي الأمريكي من أصول لبنانية الذي نشر كتاب متخصص في هذا الشأن يدعو لاستخدام وسائل التصوير الطبي وتم معارضته من الجمعية الأمريكية للطب النفسي.

كثير من أطباء الطب النفسي يتجاهلون الأسباب العضوية التي تسبب مشاكل نفسية، على سبيل المثال وجود جلطة صامتة في الدماغ بحيث تسبب في اكتئاب للمريض أو عدم وجود المنطقة الواصلة بين شطري الدماغ التي تتسبب في الفصام. أيضا القضاء على البكتيريا في الأمعاء بالمضادات الحيوية الذي يتسبب باكتئاب وقلق لكثير من المرضى ويتم علاجه باستخدام زراعة عينة برازية للمريض لتعود له ببكتيريا نافعة تساعد على إفراز النواقل العصبية التي توقف الاكتئاب وترفع مستوى السعادة!

الألم النفسي قد يكون أشد من الألم الجسدي ويحتاج إلى أطباء نفسيين لا لمشعوذين أو منجمين أو قارئي فنجال! فالقضية ليست رجما بالغيب بل طب مبني على البراهين!