شروق المحمادي

رياضيات العزلة: الخسائر والأرباح

الخميس - 25 أغسطس 2022

Thu - 25 Aug 2022

(ع=٠) العزلة لما تساوي صفرا.

قد يحافظ المرء على ذاته زمن العزلة، ويتجرد منها إذا تماهى مع الجموع.

لا حديث ماتع في العزلة ولا جماعة تدوي دوي النحل حولك؛ فتضرب آذانك عن العالم لتسمع صوتك الواحد وعقلك الماتع وقلبك النابض.يكاد أحدنا يواري ذاته في ذاته كما تواري النعامة رأسها التراب؛ بحثا عن ماء إذا اعتزل. يكتشف نفسه، يرتقي بذاته، ويصنع أهدافا جديرة به في الحياة، ولما يعاني الطرد والقهر من العالم وينسى إيواء ذاته في ذاته وإرساءها على فنون ماتعة من رسم وكتابة هو يلقيها من أعلى الشرفات، تتهاوى في أرواح الجماهير فينساها. الفن من كتابة ورسم يدع الفؤاد غائبا في مشاعره، آويا إلى التعبير عن الذات خلالها، وهل الفن إلا تعبير آخر عن المعاناة الإنسانية!؟

ولما ينسى ذاته ويظل هائما على وجهه، يؤجج النيران في العالم معلنا حربا عالمية أولى وثانية. المسكين لا يدرك أنها حرب مع الذات في بدايتها خسر نهايتها، وسيخسر الحربين معا.

في عام 1907م رفضت أكاديمية الفنون بفيينا الطالب (أدولف هتلر) رساما فيها، واصفة لوحاته (تفتقر إلى الإبداع!) خبراء وعلماء في النفس والسياسة أجمعوا أن الأكاديمية لو منحت هتلر فرصة القبول، لحقن ذلك دماء ثلث البشر، 60 مليون جثة مترامية على كوكب الأرض والسبب: أحدهم تمرد على ذاته!

عالم الاجتماع إيريك هوفر يحلل ذلك فيقول: «إن الكتاب والفنانين والعلماء الذين يشعرون بالإحباط بسبب نضوب قدراتهم الإبداعية الذاتية، ينضمون، آجلا أو عاجلا إلى صفوف الوطنيين المتطرفين والعنصريين، أو معتنقي القضايا المقدسة».قبل عامين في شهر شوال قررت أن أعرف الصفة المشتركة بين الإرهابيين، وعبر مشاهدة حلقات تلفازية مع العشرات منهم، كان العامل المشترك بينهم: إغواء الأصدقاء!

أما الإفاقة من الإصابة فقد كانت وقت السجن الانفرادي! العقل الفردي / العقل الجمعي

المعادلة الرياضية هي: حاصل مجموع ذكاء الفرد أعلى من حاصل ذكاء الجماعة؛ فصانع أحذية مفرد أرقى في عقله من مجلس ضم عشرات النوابغ! والسبب في هذا يعود إلى العقل الجمعي أو غريزة القطيع.

أحيانا يخف العقل أثناء المخالطة ويزل في الحديث معهم كل هذا ودون أن يشعر، هذا الانزلاق غير العقلاني لا نجده عند المنفرد حيث الفص المنطقي في قمة نشاطه.

ينعت القرآن العقل الجمعي بالجهل وسطحية الفهم {بل أكثرهم لا يعلمون} {بل لا يعقلون} {ولا تجد أكثرهم شاكرين} مقابل العقل الفردي الراشد ذي صيغة المفرد {وقليل من عبادي الشكور}.

ومحصل الخسارة هي أن من خسر نفسه لا بد وأن يذوب في روح جماعة هي أقل من قيمته كفرد!