محمد هادي أبوعامرية

ظلم ذوي القربى

الأربعاء - 24 أغسطس 2022

Wed - 24 Aug 2022

ما أصدق طرفة بن العبد حين قال:

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً

على المرء من وقع الحسام المهند

هنا لا أقصد بالقربى قرابة النسب.. إنما مجازيا قرابة العمل -أي الوظيفة-. ما أحوجنا اليوم إلى العدل في معاملاتتا في الوظائف وشتى أمور الحياة فلقد استشرى الظلم حتى اعتقده العامة أنه من مُسَلَّمات العصر.

ولا يأبه من يظلم خساسة صنيعته؛ ففي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: (قال الله عز وجل: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، يا عبادي فلا تظالموا).

يجب على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم ويعلموهم حسن الخلق من سيرة المصطفى -عليه السلام- فلا ينبع الظلم إلا من أصحاب الأنفس الدنيئة وما أكثرهم في هذا الزمان فنجدهم في الوظائف كُثر.. ونُجبر على التعايش معهم حفاظا على لقمة عيشنا؛ فبيئة العمل ليست بيئة اختيارية حتى ننتقي من نُجالس ومن نُعامل، فملّت وسئِمت الأنفُس من جشعهم ودناءة وخساسة أنفسهم.

فجُل همِّهِم أن يحضوا بمنصب أو مكانة في قلب المسئول حتى لو كان هذا على حساب آخرين دون مبالاة بما يقترفون من ظلم وجور وكذب وافتراء! ما هكذا أخلاق المسلم.

لا يشعر بالظلم إلا من قاساه.. فبعد عهد تَجبّر فيه البرامكة حينما كانوا وزراء في عهد الرشيد ثم عزلوا وسجنوا وصفدوا وغلوا وقبعوا في السجون المظلمة التي طالما حبسوا فيها غيرهم، جمع موقف بين يحيي البرمكي وولده فسأله الابن "يا أبتِ، بعد العز، أصبحنا في القيد والحبس، بعد الأمر والنهي، صرنا إلى هذا الحال؟" فقال "يا بُنِي، دعوة مظلوم سرت بليل، ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها".

فإن كنت لا تستطيع أن تفعل الخير فإياك أن تظلم؛ فالظلم ظلمات، قال تعالى (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) أي الله جل جلاله من يجازيهم على مكرهم ويوقعهم الحفرة التي حفروها لأخيهم.

ومن عظمته جل جلاله ولطفه أن يسخر للأنقياء من يساعدهم في محنهم من حيث لا يعلمون، حتى لو أُفتُتِن من يساعدهم، لأن فتن آخر الزمان تجعل الحليم حيران

ولكن سرعان ما يعودون إلى صوابهم.

لأنهم صادقون مع الله وبعيدون عن المصالح الدنيوية وجزائهم عند ربهم عظيم، فإياك والظلم وكن صادقا صابرا طاهرا نقيا محسن الظن بالله.