عبدالله مشرف المالكي

رؤية المملكة 2030 ترجمان الوطن والمواطن

الأربعاء - 24 أغسطس 2022

Wed - 24 Aug 2022

تنهض الأمم، وترتقي البلاد بالمبادرات الفذة، والأفكار الاستباقية التي تستبصر المستقبل؛ فتهيئ الأرض للفرص، وتعد العدة لنوائب الدهر.

وما كان أحوجنا ونحن نزاحم دول العالم على الصف الأول اقتصاديا وثقافيا وسياسيا إلى رؤية إبداعية تعظم مكاسبنا، وتحسن توظيف مقدراتنا، وتحشد خلفها الجميع بحماسة وهمة!

وها قد ظهرت رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحقق أحلام السعوديين بالانخراط في مشروع قومي، يستهدف شحذ قدراتهم، وبيان خارطة الطريق لحاضرهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم.

إن المطلع على فلسفة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي يباركها ويرعاها خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله –ليرى فيها جهدا حقيقيا لاستثمار الطاقات، وصناعة المناخات الإيجابية لتنتقل البلاد من طور إلى طور جديد في سلاسة وواقعية، لكنها واقعية طموحة، كما عبر عن ذلك شعار الرؤية "رؤية طموحة، لأمة طموحة".

وإنني إذ أسجل إعجابي بهذا المخطط التفصيلي القائم على دراسات ومعايير علمية بحتة، فإنه لا يفوتني أن أنوه إلى قيمة الركائز الاعتبارية أيضا!

وأعني هنا أن رؤية المملكة 2030 ترتكز أول ما ترتكز على عنصر أصيل، لا يحول ولا يزول، مهما مرت السنون، أو تبدلت المفاهيم؛ وهو ما أدرج كبند أول فيما يعرف بمكامن القوة المحورية، ونصه "المملكة العربية السعودية هي أرض الحرمين الشريفين، أطهر بقاع الأرض وقبلة أكثر من مليار مسلم، مما يجعلها قلب العالمين العربي والإسلامي".

إن الارتكاز على مكانة المملكة وحقيقة كونها مهبط الرسالة ومهوى أفئدة المسلمين، ليمثل المحفز الأقوى، وجدار الحماية الأمتن، وربما الشرارة الأكبر التي تضمن لهذا المشروع الديمومة والاستمرار.

فهكذا تصبح رؤية السعودية 2030 ليست مجرد مشروع محلي معني برفاة شعب، أو تطور دولة، وإنما هي في جوهرها نواة لنهضة أمة، وقاطرة تجذب خلفها المشاريع التنموية في الدول العربية والإسلامية.

يمكننا القول إن رحلة السعوديين نحو الأفضل بدأت في الخامس والعشرين من شهر أبريل 2016 ميلادية، بإعلان ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله -رؤية المملكة العربية السعودية 2030 كأحد أكبر برامج التحول الوطني عالميا.

ومع كل مرحلة جديدة في البرنامج يجد السعودي نفسه أكثر حماسة ورغبة في المضي قدما نحو مزيد من النجاح والإنجاز، حتى أضحى الحديث عن رؤية 2030 الشغل الشاغل للناس في الجلسات والمنتديات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن أهداف نحو 48 مليون مواطن سعودي، توحدت لتصبح هدفا واحدا.

وربما كان الباعث الحثيث على ذلك أن رؤية المملكة تحولت سريعا من الإطار النظري إلى التطبيق العملي، ولم تبق طويلا مجرد حلم يرنو إليه الناس بإعجاب، وإن ساورتهم الشكوك حول إمكانية تحقيقه.

والفضل في هذا يرجع إلى الدفعة القوية التي منحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده –حفظهما الله –للمشروع، مما جعله في بؤرة اهتمام الدولة بمؤسساتها، وفي قلب ووجدان القطاع الخاص والأفراد في المملكة.

المتابع عن كثب للخطوات التنفيذية لرؤية 2030 ليجد ثمارا ناضجة في كل محور من محاورها، مما يشير إلى قوة الفكرة، وسلامة التطبيق.

ففي محورها الأول "المجتمع الحيوي" تقدمت المملكة العربية السعودية على مؤشر السعادة العالمي من المرتبة السابعة والثلاثين إلى الواحدة والعشرين، مما يعكس المناخ العام الذي يعيش فيه المواطن السعودي.

وقد أرجع بعض المحللين تحسن مزاج المواطنين إلى حزمة الإجراءات التي استهدفت تخفيف الأعباء الاقتصادية، وتطوير أداء الإدارات الحكومية.

وفيما يخص خدمات الحجاج والمعتمرين فقد حدثت طفرة ملحوظة، لعل من أبرز ملامحها تحرير مدة استخراج التأشيرات من 14 يوما إلى 5 دقائق فقط، بالإضافة إلى مد موسم العمرة، وزيادة القدرات الاستيعابية لعدد الأماكن المتاحة للمعتمرين من 6.5 ملايين معتمر قبل الرؤية، إلى أكثر من 8 ملايين بعد الرؤية.

ولذلك ليس من المبالغة أن نقول إن ما حدث في مجال خدمات الحج والعمرة في إطار رؤية 2030 ليذكر في باب المفاخر الوطنية، وما أنجز حتى اللحظة، لينبئ عن رغبة صادقة من المملكة في احتضان ضيوف الرحمن بكل أخوة وترحاب وكرم.

وفي مجال الرعاية الصحية، تشير الأرقام إلى منجزات ملموسة على مستوى التأسيس لمنظومة صحية متطورة، والتحسين العاجل للخدمات الأساسية، وهذا بدهي جدا، فلطالما اعتمدت الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، كأحد معايير التمييز بين الدول المتحضرة والأخرى المتخلفة.

ولما كانت الرؤية قد رفعت شعار "الإنسان يأتي أولا" فقد حظي القطاع الصحي باهتمام كبيرة في محور تقديم خدمات الرعاية الطبية باحترافية وشمولية، حتى يتمتع مجتمع المملكة بالعافية التامة، مما أسفر عن إنجازات عدة لرفع كفاءة الأنظمة، وزيادة القدرات الاستيعابية للمرافق الصحية، كما طورت خدمات إلكترونية مختلفة في هذا المجال.

ربما لا تعكس الأرقام الصماء هذا التطور الكبير في حقل الصحة بدقة، وإنما ستدرك ذلك حتما عندما تنظر في عيني أسرة بسيطة، أنقذ عائلها في ساعة متأخرة من الليل، أو في مكان ناء، أو لحقتها الأطقم الطبية في ظروف طقس سيء. إن ما تقوله العيون الممتنة، والأكف المرتجفة، والشفاه المتمتمة في مثل هذه اللحظات الحاسمة من عمر الإنسان، أكبر من أن تعبر عنه الكلمات.

القراءة في رؤية المملكة 2030 أشبه بسياحة في ضمير هذا البلد، وكلما تعمق فيها المرء، شعر وكأنه يستمع إلى صوت عميق من داخله، أو ترجمان يحسن التعبير عن الأفكاروالعواطف والأماني، في هيئة مشاريع علمية قابلة للتنفيذ.