زيد الفضيل

حديث الأربعاء: أحاديث وأسمار

السبت - 20 أغسطس 2022

Sat - 20 Aug 2022

ينطلق عنوان مقالي في شقه الأول من كتاب «حديث الأربعاء»، كما يأتي في شقه الثاني متوافقا مع عنوانين لكتابين متحدين في الاسم وهو «أحاديث وأسمار»، ومختلفين في هوية كاتبيهما، وإن كانا في الجملة متوافقين في التوجه الإسلاموي بشكل عام، وهما الأديب السوري الدكتور عبدالقدوس أبوصالح الذي عرفته بمدينة الرياض خلال عقد الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، وكان علما بارزا في دعمه لما يسمى برابطة الأدب الإسلامي، والأديب المصري الشاب وليد كساب؛ على أن للدكتور زكي مبارك كتابا مماثلا في الفكرة مع تقديم وتأخير في الألفاظ، حيث عنون كتابه باسم «الأسمار والأحاديث».

على كل فالأسمار المتوهجة بأحاديثها لا تنتهي، ولعلي أشير في هذه المقالة إلى بعضها في مدينة جدة ممن تكتنز في ثناياها رموزا باتت نادرة في وقتنا الراهن من حيث جوهر علمها وعمق معرفتها وقيمها النبيلة، كما تختزل في ذاكرتها تجربة ثرية من الخبرات المتراكمة التي تمثل ارتكاز أي حكمة نبتغي بلوغ سناها، وكم أرجو أن يتم الاستفادة من حكمتهم في قابل الأيام وهي غاية كل مجتمع رشيد، ذلك أن العلم متجدد، والمعرفة متغيرة، لكن الوعي بالعلم وإدراك أبعاد المعرفة هو الثابت الذي يحصده كل منا عبر تجربته في الحياة، وهي الحكمة التي أمرنا أن نطلبها ولو في الصين كما جاء في الخبر.

من هذه الأسمار التي أحب الجلوس فيها والإصغاء إلى ما يجول فيها من حديث ماتع، مجلس الكاتب محمد عمر العامودي الذي اشتهر بخميسية العامودي، والتي يعود منشأها إلى خمسة وأربعين عاما ماضية، كانت شاهدة حال لكثير من الأدباء والشعراء والعلماء من مختلف المجالات والتخصصات النظرية والتطبيقية، ناهيك عن أصحاب المعالي والسعادة من رجال الدولة في مختلف المناصب، وهكذا كان ولا يزال حالها على الدوام وحتى أمس القريب، حيث التقيت فيها بمعالي الدكتور مدني علاقي صاحب الخبرة الأكاديمية والتجربة في العمل المؤسسي الحكومي كوزير دولة لعدة سنوات، علاوة على عدد من رجال الأدب والتجارة البارزين، وكان ما لفت نظري اهتمام الدكتور مدني بكتاب «حديث الأربعاء» للأستاذ العامودي المنشور مؤخرا، وفيه حصر لعديد من مقالاته التي تم نشرها في عدد كل يوم أربعاء من كل أسبوع على امتداد خمسين سنة بجريدتي «المدينة المنورة» و»عكاظ» بذات العنوان وهو «حديث الأربعاء»، والجميل أن المقالة والكتاب قد جاءا متناصين مع مقالة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين التي كان يكتبها كل يوم أربعاء في جريدة السياسة، ثم أصدرها في كتاب بذات العنوان.

أخذتني اللحظة وذهبت بعيدا عما يدور في الخميسية من أحاديث ماتعة، متسائلا بحزن: وهل عرفت أجيالنا الشابة اليوم الكاتب محمد عمر العامودي؟ هل تعرف والده الأديب النهضوي محمد سعيد العامودي؟ وهل تعرف رفاقه من جيل الرواد الذين أسسوا لما نحن فيه من نهضة سعودية كبرى نفتخر بها؟ وحتما كانت ابتسامتي كبيرة، فليس هؤلاء هم محط انتباه المؤسسات الإعلامية والثقافية ووسائط التواصل المجتمعي المعاصرة، بل أزعم أن كثيرا من الشباب العاملين في تلك المؤسسات يجهلون هذه الأسماء بالكلية، ولذلك فليست حاضرة في وجدانهم ونطاق أحاديثهم في مختلف أسمارهم.

إنها أزمتنا المعاصرة التي شاءت الأقدار أن يتم تسليط الضوء عليها في اليوم التالي بمجلس معالي الشاعر والأديب الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام الأسبق بحضور نخبة من أهل الفكر والثقافة والإعلام، ومنهم الإعلامي والصحافي محمد التونسي الذي أشار إلى هول انتشار متابعي مشاهير التواصل الاجتماعي الذين لا يفقهون شيئا مما نتحدث عنه ونشير إليه، لاسيما وأن عديدا منهم أميون في معرفتهم.

إذن هي أزمة محتوى، وبالإمكان ضبطها لو وجدت استراتيجية لبناء المحتوى الملائم لمواكبة رؤية المملكة المستقبلية، والتي تستهدف أن نكون في مقدمة الدول، ولن يتأتى ذلك إلا بمجتمع معرفي واع لا مكان فيه للتفاهة. فهل يمكن ضبط المحتوى المقدم من قبل مشاهير التواصل الاجتماعي وغيرهم بما يخدم الهدف الاستراتيجي للمملكة؟ وهل بات واجبا فرض غرامات ملزمة على من يتجاوز؟

أتصور أنه قد آن الأوان لربط ماضينا بحاضرنا، وحاضرنا بمستقبلنا، فالمجتمعات الحضارية لا تقوم إلا بالتراكم الذي نملكه، ولكنه غائب عن أجيالنا المعاصرة. هي رسالتي لسمو وزير الثقافة والقيادات معه، وأؤمن بأنه سيكون لها صدى لو وصلت.

ودام عزك يا وطن.

zash113@ باحث في التاريخ