وليد الزامل

المشي وقوفا في الحدائق العامة؟!

السبت - 20 أغسطس 2022

Sat - 20 Aug 2022

تناولت في أكثر من مقال سابق أن التكوين المادي للمدينة يمكن أن يؤثر على أسلوب الحياة للمجتمعات؛ بل ويساعد في الارتقاء بأنماط المعيشة والصحة العامة للإنسان ومستويات الرضا والسعادة. والعكس صحيح، فوتيرة الحياة الصاخبة في المدن وندرة الأماكن العامة وقلة الغطاء النباتي الذي يلائم البيئة الصحراوية له دور كبير في ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض العصر كالسكر، والضغط، والسمنة، حيث يقضي سكان المدن جل وقتهم في المنزل دون نشاط بدني أو حركة.

في الأسبوع الماضي، كنت في زيارة إلى إحدى الحدائق الجميلة في مدينة الرياض، أحرص على زيارة هذه الحديقة بين الفينة والأخرى لكونها قريبة من مكان إقامتي وتتمتع بكافة الخدمات والمرافق كمسارات المشاة والدراجات وأماكن لعب الأطفال وتكامل العناصر التصميمية، وعند إيقاف سيارتي في الموقف المخصص أشاهد دائما من نافذة السيارة العديد من الأطفال والمراهقين وحتى الشباب يتحركون وقوفا!

خيل لي للوهلة الأولى أنهم يمشون وهم واقفون حتى نزلت من السيارة ليتضح لي كامل المشهد وأراهم يتسابقون باستخدام أجهزة المشي الكهربائية «السكوتر»، وهناك في مكان ليس ببعيد أشاهد الأطفال وهم يلعبون بالسيارات الكهربائية! فحدثت نفسي قائلا: ليتهم كانوا يستخدمون الدراجات العادية فعلى الرغم من توفر كافة المرافق في هذه الحديقة؛ إلا أن سلوك المستخدمين مقيد بالسلوك غير النشط ولا يتماشى مع أهداف الحدائق والأماكن العامة في تعزيز الصحة العامة والنشاط البدني للمستخدمين.

اليوم، نلاحظ أن معظم الشباب يرتادون الأماكن المغلقة ويقضون ساعات طويلة في المقاهي دون حركة، أما الأطفال والمراهقون فيقضون جل وقتهم في ممارسة الألعاب الالكترونية داخل المنزل وعندما يخرجون إلى الفضاء العام في المدينة يمارسون اللعب بالألعاب الكهربائية دون أي نشاط بدني؛ وهكذا فالنتيجة صفر في كلا الحالتين. تأكدت حينها أن التطور التقني يمكن أن يسهم في حل المشاكل البيئية وتنمية المدن متى ما أحسن استغلاله؛ ولكنه في الوقت ذاته قد يكون سببا في تدهور البيئة وتغيير أنماط حياة سكان المدن ليخلف مشاكل صحية على المدى البعيد.

لقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن السبب الرئيس لانتشار أمراض السمنة في المجتمعات الحضرية يعود إلى العادات الغذائية السلبية في مقابل قلة النشاط البدني. وعليه يجب أن توضع الصحة على رأس أولويات مخططي المدن (WHO,2018).

إن أنماط التخطيط والنقل في المدن لم توفر بدائل مناسبة كطرق المشاة أو مسارات الدراجات، بل إن الحدائق العامة والتي يفترض أن تكون المكان المناسب لممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق أضحت أماكن لسباق «السكوتر» والسيارات الكهربائية.

إن التخطيط العمراني يمكن أن يرتقي بالبيئة الحضرية ويعزز من جودة الحياة في الأحياء السكنية القائمة من خلال: أولا، توزيع استعمالات الأراضي بشكل يدعم الترابط بين الإسكان والخدمات كالمسجد والحديقة والمجمعات التجارية كمنظومة واحدة. ثانيا، إنتاج فراغات حضرية وساحات عامة وملاعب تشجع الأطفال والمراهقين على ممارسة اللعب والنشاط البدني الحقيقي في الهواء الطلق بعيدا عن الألعاب المنزلية أو الكهربائية.

وختاما، من الأهمية بمكان أن يكون تصميم الفراغات العامة محفز لممارسة رياضة المشي ولا يشجع على المشي وقوفا بلا حركة!

waleed_zm@ متخصص في التخطيط العمراني