بندر الزهراني

جامعة كولومبيا جامعة (أوبهة)

السبت - 20 أغسطس 2022

Sat - 20 Aug 2022

النقد الأكاديمي الهادف والموضوعي مطلب فطري، تنشده الإدارة السوية، وتستشعر أهميته وضرورة وجوده في طريق نجاحها، وإذا ما غاب عنها افتقدته وبحثت عنه، بينما الإدارة المعتلة بذاتها والمنغمسة في الفساد بمختلف أشكاله وألوانه تأنف من النقد وترفضه، وتود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ومتى ما كان النقد الأكاديمي صريحا وواضحا، ويناقش كل ما له علاقة بمصالح العمل الأكاديمي وصلاح شؤونه فإنه في الغالب يكون نقدا هادفا بناء بغض النظر عن حدته وشدته أو ليونته وسهولته.

حسب موقع (Inside Higher Ed’s) أعلنت رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية ماري بويس (Mary Boyce) أن الجامعة لن تقدم أي بيانات فيما يخص تصنيفات (يو أس نيوز) القادمة، وقالت: إنه قبل بضعة أشهر، أثار البروفيسور مايكل ثاديوس (Michael Thaddeus) -وهو أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة- أسئلة مهمة بشأن دقة بعض البيانات الخاصة ببرامج البكالوريوس التي قدمتها الجامعة لمواقع التصنيف بهدف الترتيب السنوي للجامعات، وأكدت بويس أن قادة جامعة كولومبيا يأخذون ملاحظات ثاديوس على محمل الجد، وأنهم شرعوا على الفور في مراجعة صحة البيانات.

وتحدثت بويس بكل شجاعة مهنية وحنكة إدارية -وهي أستاذة الهندسة الميكانيكية السابق بـ MIT- عن أهمية النزاهة في تقديم المعلومات، ومصداقية البيانات ومطابقتها للواقع، وأكدت أن جامعة كولومبيا أجرت ما تعتقد أنها عملية شاملة لجمع البيانات، وبالرغم من ذلك ترى أن مراجعة البيانات عن كثب وفي ضوء ما طرح من تساؤلات وأثير من ملاحظات أمر في غاية الأهمية لرفع أداء الإدارة المعنية بتلكم التساؤلات والملاحظات.

وبالعودة إلى ملاحظات أستاذ الرياضيات مايكل ثاديوس التي نشرها على صفحته على موقع جامعة كولومبيا نجدها ملاحظات تتعلق بأعداد الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وبما تنفقه الجامعة من دعم مالي وعيني على برامج البكالوريوس، وهي بلا شك ملاحظات مهمة، ولكنها إذا ما قورنت بمخالفات أخرى تمارسها بعض الجامعات فإنها تبدو عادية وبسيطة ويمكن استدراكها وتصحيحها بكل يسر وسهولة.

ما قالته بويس هو -في الواقع- شجاعة تحلت بها كرئيسة لجامعة كولومبيا العريقة، وعكست إيجابية ما هو عليه فريق عملها، بل أعطت صورة جميلة للجامعة، فهي لم تتحرج من النقد، ولم توجه اللوم أو تصب جام غضبها على منتقديها، وأولهم ثاديوس الذي يعمل أستاذا فيها، بل أخذت ملاحظاته بشكل جدي، وتعاملت معها برقي وإيجابية، ما جعلنا نقول: جامعة كولومبيا قبل هذه الحادثة كانت (أوبهة) وبعدها صارت مجموعة من الأوبهات.

دعونا الآن نتساءل: لماذا بعض مسؤولي الإدارات الأكاديمية يشعرون بالضيق إذا ما انتقدت أعمالهم ووضعت تحت المجهر؟! لماذا كل هذه الحساسية المفرطة والهلع والخوف من النقد الهادف الموضوعي؟ ولماذا يتحول دفاعهم عن أنفسهم إلى عداء وكيد للناقد الحر؟ لماذا لا يستفيدون من النقد ويواجهون كتاب الرأي من الأكاديميين بسلاحهم، أعني الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة؟! ترى أهي ظاهرة إدارية تشكو منها الإدارة الأكاديمية، أم هي حالات مرتبطة بعقليات إدارية محدودة؟!

رفض النقد الأكاديمي كردة فعل أولية قد يكون طبيعة إنسانية خاصة إذا ما كان النقد موجها لشخص بعينه، ولكن إذا ما تحدثنا عن نقد الظواهر والأخطاء العامة التي تقع فيها المؤسسات الأكاديمية فينبغي ألا تكون ردة أفعالنا انفعالية، بل لا بد أن تكون حضارية وفي مستوى النقد بغض النظر عن منطلقات الناقد ودوافعه، وينبغي علينا أن نعي وندرك أن أدوات الناقد الحر ما هي إلا فكرة، فلا نحطم بانفعالاتنا وتصرفاتنا غير المسؤولة الأفكار الجميلة والنزيهة، ولا نحارب مصالحنا الأكاديمية العامة بمحاربة الأقلام الجريئة الهادفة والموضوعية.

drbmaz@