عبدالله محمد الشهراني

إلى أبي وأمي.. لقد فهمنا الآن

الخميس - 18 أغسطس 2022

Thu - 18 Aug 2022

(برضاي عليك لا تمشي مع فلان) وتقول في نفسك، ما الذي يجعل هذه المرأة وهي تقضي أغلب وقتها داخل المنزل تعرف أن فلانا خطر على حياتي. إنها الأم والحاسة الغريبة التي تمتلكها، تتصل بك وأنت في «وسط المشكلة» (ولدي/ بنتي.. أنت طيب/ة؟) أو يأتي الأب منطلق الوجه قائلا لابنه: (أبشرك جاني الشهر هذا خير)، وهي رسالة للابن مفادها بأنك لست مطالبا بأن تسهم معي بأي شيء هذا الشهر، معرفة ورأفة من الأب بحال ابنه.

أو تجدهما (وأعني الأبوين) يتراجعان إلى الخلف أثناء تناول الطعام دلالة على الشبع، والحقيقة هي أنهما قد استشعرا بأن الطعام لا يكفي الكل وأن الأولاد ما زالوا جائعين. أو يقف الأب عند محل الأحذية راغبا في شراء حذاء جديد له، فيتذكر أولاده فيخرج من محل بيع الأحذية ذاهبا إلى محل إصلاح الأحذية، توفيرا لثمن الحذاء الجديد لأن الأولاد أولى في نهاية الأمر.

الأم والأب يدعيان دائما بأنهما لا يحبان شراء الجوالات الجديدة! الأب والأم يصطحبان الأولاد إلى السوق لشراء ملابس العيد، فيكتفيان بثوب وقميص فقط، وأما عن باقي احتياجاتهما ففلسفتهما: «ما لم يظهر فهو مستور».

نجادلهم ونغضب من قراراتهم، ويردون على ذلك الجدال والغضب بالعبارة الشهيرة لدى الآباء والأمهات (لما تكبر راح تفهم)، وفعلا لقد فهمنا الآن. كبرنا وفهمنا كيف أنه من المستحيل أن تنام وابنك أو ابنتك خارج المنزل، وأن الأمر ليس متعلقا بالشك أو التخوين بقدر ما هو خوف وقلق الآباء الطبيعي على الأبناء. فهمنا أن الحياة يسود لونها وتصعب فيها الراحة إذا مرض أحد أولادنا. فهمنا أن نجاح الأبناء شكل من أشكال الرزق، والصحة والعافية في أبدانهم أفضل من أي شيء نركض خلفه سواء كان منصبا أو مشروعا كبيرا أو أي متعة أخرى من متع الحياة.

فهمنا أن الآباء هم أناس في منتصف الحياة.. يراعون ويهتمون بكبار السن ويربون ويقلقون على أولادهم. فهمنا أنهم يصبرون من أجلنا ولمستقبلنا، فكم من أب وأم -موظف أو موظفة- يتجرعان العلقم في مقر عملهما، من سوء تقدير أو ظروف غير ملائمة، أو حتى معاناة من الإهانة والقهر، وعندما يبلغ الأمر حده، وقبل اتخاذ القرار بترك الوظيفة غير المريحة، يأتي التراجع.. ليس خوفا ولا جبنا بل من أجل الأبناء فقط، وعندها يكون الاعتصام بالتحمل والصبر.

لقد أعطونا كل شيء، لقد أرخصوا أرواحهم لنا.. أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يرحمهم رحمة الصديقين والأبرار.

@ALSHAHRANI_1400