استراحة الإجازة الصيفية بين العرعر والعتم!
السبت - 13 أغسطس 2022
Sat - 13 Aug 2022
في إحدى الندوات ذكر الروائي والأديب السوري عبدالسلام العجيلي فكاهة عابرة، يقول إنه غاب عن عيادته لظرف ما، وأناب زميلا له من مستشفى آخر يقال له الدكتور يحيى، فجاء إلى العيادة مريض يشكو حاله، ويقول: يا دكتور أنا أشعر بكذا وكذا، وقد أتيتك لما سمعته عنك من سمعة طيبة -ظانا أنه يكلم الدكتور العجيلي- وتركت المستشفى الآخر لأن الذي يعمل فيه «حمار مش دكتور»، فسأله الدكتور يحيى عن اسم الطبيب، فقال المريض: اسمه يحيى، فسكت الدكتور يحيى ولم يعقب، وأجرى له الكشف وأعطاه العلاج، فلما جاء الدكتور عبدالسلام أخبره الدكتور يحيى بما حدث، فسأله ضاحكا: وهل أخذت منه ثمن الكشف والعلاج! قال: نعم أخذت من «الحمار» الثمن.
سأخبركم بقصة حدثت لي، بينها وبين فكاهة العجيلي مقاربة إلى حد ما: في مرة من المرات وأنا في كاليفورنيا بين أشجار السيكويا أستمتع بإجازتي مع الأسرة، اتصل بي شخص وسألني في حاجة ما أعملها له، وعادة ما تكون بمقابل مالي عند غيري، فلم أتردد، بل سخرت جهدي وكل وقتي لإنجاز أمره، فلما انتهى، زارني في بيتي وأكرمته أيما إكرام، وقبل أن يذهب استحلفني بالله أن أطلبه شيئا نظير ما قدمت له، ولأنني -ولله الحمد- لم أتعود أن أطلب أحدا قلت له: ادع لي بالخير والصلاح، ثم قلت مازحا: كن على تواصل فربما احتجت لك في يوم من الأيام، فذهب من عندي وهو يدعو، وذهبت معه الأيام.
احتجت في وقت مضى لمساعدة بسيطة في أمر عارض، فلما بحثت وسألت أين أجد المساعدة، أشار العارفون بأن اتصل بـ «فلان» من الناس، قلت: فلانا ابن فلان ما غيره! قالوا: أتعرفه! قلت: أعرفه ونص، قالوا: عليك به إذن، وقد أصبح مسؤولا كبيرا في إحدى الجهات، واتصلت بالرجل وسلمت عليه، وسألته عن حاله، قال: أنت الدكتور بندر! قلت: نعم، وخشيت ألا يعرفني، وأثناء الاتصال كان عرقي يتصبب خجلا، وكنت متحرجا أن أسأله في شيء، فقال: أسألك بالله أن تسألني ما تريد، قلت: أريد كذا وكذا، قال: فقط! قلت: فقط، فسكت قليلا ثم قال: أبشر بعزك!
وبعد أسبوع من الاتصال لم ينجز أمري، فعاودت الاتصال به، فلم يرد، فتلمست له العذر، واتصلت به بعد يومين آخرين، فلم يرد، فأرسلت له رسالة الكترونية، فلم يرد، وانتظرت وقلت لربما يتصل هو، فلم يفعل! حزنت كثيرا، وقلت الله المستعان، هكذا هم الناس، معذورون بمشاغل الحياة، وفيهم بطبيعة الحال الطيب، والطيب الطيب، والطيب لحاجة، والطيب لحاجتين، والطيب لحاجتين وأكثر، وكلهم فيه نظر.
وأنا لا ألوم صاحبي هذا، ولا أثرب عليه، فلعل له من الأعذار ما يبقي حبل المودة بيننا قائما وممدودا، ولو جاءني هو -أو غيره- في أمر آخر لخدمته بما أستطيع مرة واثنتين وثلاث، وبذلت له وللناس من وقتي وجهدي ما يرضيهم ويغنيهم، فالناس للناس من بدو وحاضرة، بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم، كما يقول المعري، ولو لم أنل من خدمة الناس إلا راحة النفس وسلامة الضمير لكفاني ذلك عزا وفخرا، ولمنحني حبا وطمأنينة داخلية قد لا تتوفر إلا من خلال تسخير طاقاتنا الإيجابية في خدمة من تضطره الحاجات وتقهره الظروف العابرات.
هذه الأيام - وأنا في أحضان الطبيعة الساحرة في دوس بين شجر العرعر والعتم- أقول: من يسلم من أذى بعض الناس خير له من أن ينال ما عندهم، وأنا -ولله الحمد- من الطيبين (ولا أزكي نفسي) وكثيرون مثلي وأحسن مني، نحب خدمة الآخرين ونسعي في تحقيق رغباتهم، دون مقابل أو مردود، ويكفينا أن نرى الفرحة والسعادة ترتسم على وجوه الناس، ففعل الخير لا يقابله رد فعل جميل إلا الدعاء الحسن، ولعل من المفارقات بين ما حدث لي وقصة الدكتور العجيلي، أنني لم أقبض الثمن في حينه، بينما «مراجع» العجيلي دفع فاتورة الكشف والعلاج!
drbmaz@
سأخبركم بقصة حدثت لي، بينها وبين فكاهة العجيلي مقاربة إلى حد ما: في مرة من المرات وأنا في كاليفورنيا بين أشجار السيكويا أستمتع بإجازتي مع الأسرة، اتصل بي شخص وسألني في حاجة ما أعملها له، وعادة ما تكون بمقابل مالي عند غيري، فلم أتردد، بل سخرت جهدي وكل وقتي لإنجاز أمره، فلما انتهى، زارني في بيتي وأكرمته أيما إكرام، وقبل أن يذهب استحلفني بالله أن أطلبه شيئا نظير ما قدمت له، ولأنني -ولله الحمد- لم أتعود أن أطلب أحدا قلت له: ادع لي بالخير والصلاح، ثم قلت مازحا: كن على تواصل فربما احتجت لك في يوم من الأيام، فذهب من عندي وهو يدعو، وذهبت معه الأيام.
احتجت في وقت مضى لمساعدة بسيطة في أمر عارض، فلما بحثت وسألت أين أجد المساعدة، أشار العارفون بأن اتصل بـ «فلان» من الناس، قلت: فلانا ابن فلان ما غيره! قالوا: أتعرفه! قلت: أعرفه ونص، قالوا: عليك به إذن، وقد أصبح مسؤولا كبيرا في إحدى الجهات، واتصلت بالرجل وسلمت عليه، وسألته عن حاله، قال: أنت الدكتور بندر! قلت: نعم، وخشيت ألا يعرفني، وأثناء الاتصال كان عرقي يتصبب خجلا، وكنت متحرجا أن أسأله في شيء، فقال: أسألك بالله أن تسألني ما تريد، قلت: أريد كذا وكذا، قال: فقط! قلت: فقط، فسكت قليلا ثم قال: أبشر بعزك!
وبعد أسبوع من الاتصال لم ينجز أمري، فعاودت الاتصال به، فلم يرد، فتلمست له العذر، واتصلت به بعد يومين آخرين، فلم يرد، فأرسلت له رسالة الكترونية، فلم يرد، وانتظرت وقلت لربما يتصل هو، فلم يفعل! حزنت كثيرا، وقلت الله المستعان، هكذا هم الناس، معذورون بمشاغل الحياة، وفيهم بطبيعة الحال الطيب، والطيب الطيب، والطيب لحاجة، والطيب لحاجتين، والطيب لحاجتين وأكثر، وكلهم فيه نظر.
وأنا لا ألوم صاحبي هذا، ولا أثرب عليه، فلعل له من الأعذار ما يبقي حبل المودة بيننا قائما وممدودا، ولو جاءني هو -أو غيره- في أمر آخر لخدمته بما أستطيع مرة واثنتين وثلاث، وبذلت له وللناس من وقتي وجهدي ما يرضيهم ويغنيهم، فالناس للناس من بدو وحاضرة، بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم، كما يقول المعري، ولو لم أنل من خدمة الناس إلا راحة النفس وسلامة الضمير لكفاني ذلك عزا وفخرا، ولمنحني حبا وطمأنينة داخلية قد لا تتوفر إلا من خلال تسخير طاقاتنا الإيجابية في خدمة من تضطره الحاجات وتقهره الظروف العابرات.
هذه الأيام - وأنا في أحضان الطبيعة الساحرة في دوس بين شجر العرعر والعتم- أقول: من يسلم من أذى بعض الناس خير له من أن ينال ما عندهم، وأنا -ولله الحمد- من الطيبين (ولا أزكي نفسي) وكثيرون مثلي وأحسن مني، نحب خدمة الآخرين ونسعي في تحقيق رغباتهم، دون مقابل أو مردود، ويكفينا أن نرى الفرحة والسعادة ترتسم على وجوه الناس، ففعل الخير لا يقابله رد فعل جميل إلا الدعاء الحسن، ولعل من المفارقات بين ما حدث لي وقصة الدكتور العجيلي، أنني لم أقبض الثمن في حينه، بينما «مراجع» العجيلي دفع فاتورة الكشف والعلاج!
drbmaz@