محمد عبدالكريم المطيري

اللامبالاة

الخميس - 11 أغسطس 2022

Thu - 11 Aug 2022

تمضي الحياة بالبعض منا بل وربما الأغلبية وهو غير راض، ويرى أن الحياة التي يعيشها غير كافية وغير مقنعة؛ لأنه يعتقد أنه يستحق أفضل مما هو عليه ويؤمن بأنه لولا الظروف لكانت حياته أفضل، وهذا شعور مؤلم ولا ينتهي ويضعك في دوامة من الندم واليأس والسخط المبني على خيالات وفرضيات وأحلام بحياة لا وجود لها، مثالية وخالية من المنغصات والشوائب، صافية ومريحة بلا هم ولا نكد ولا كد ولا تعب.

تناول مارك مانسون كيفية التعامل مع مشكلات الحياة وعثراتها في كتابه فن اللامبالاة، وقد تبدو فكرة اللامبالاة غير مقبولة اجتماعيا فهي مرادفة للإهمال وانعدام المسؤولية، ولكن ليس هذا ما يصبو إليه الكاتب. فاللامبالاة هنا لا تعني بالضرورة ألا تهتم لشيء، وإنما أن تختار الأمور التي تهتم لها، وأن تركز اهتمامك وطاقتك في الأمور التي تستطيع السيطرة عليها لا تلك التي لا تستطيع التحكم بها. يقول مارك «إن فكرة عدم المبالغة بالاهتمام بأشياء كثيرة، ليست إلا طريقة بسيطة في إعادة توجيه آمالنا وتوقعاتنا في الحياة وتحديد ماهو هام وماهو غير هام».

فكرة أن تختار الأمور التي تستحق القلق تعلمك ألا تبالغ وتعلمك القناعة بما تملك، فاللامبالاة هنا لا تعني التقاعس كما يظن البعض ولا الاستسلام بل تعني ألا تقسو على نفسك، فالكد والمعاناة جزء رئيس ومهم من رحلة الحياة، وعدم الرضا كشعور قد يقل لكنه لا يختفي، فنحن كما يرى مارك «مركبون بحيث نكون غير راضين مهما حققنا. هذا الغياب الدائم عن الرضا هو ما جعل جنسنا يقاوم وينجح في البقاء».

عدم رضانا نابع من يأسنا من المشاكل والمعاناة التي لا تنتهي والتعب المستمر، والإحباط التي تسببه هذه الفكرة يعود بشكل كبير إلى أمل خاطئ بأن ما بعد التعب إلا الراحة، وهذا مخالف لجوهر الحياة، فالمشاكل لا تنتهي لأن الإنسان خلق في كبد، وما يهم هو كيف نتكيف مع التعب والمعاناة ونتعامل معها كحافز يدفعنا نحو الأمام؛ فالألم الذي يتبع قرارا أو خيارا خاطئا في أي من شؤون الحياة هو عبرة وخبرة تخبرنا ألا نعاود الكرة.

أن إدراكنا لحقيقة أن المشاكل لا تتوقف أبدا يجعلنا أكثر قدرة على مواجهتها والتعامل معها، ولأننا نسعى دوما لحياة خالية من المشاكل نجد أنفسنا نتجنب الوقوع في المشاكل ونتوقف عن التعاطي معها ونتركها تتفاقم بإحدى طريقتين إما بإنكار وجود هذه المشاكل وتجاهلها -وهذا إنكار للواقع بحد ذاته-، وهذا وإن كان باعثا الراحة على المدى القصير إلا إنه يسبب نوع من الاكتئاب على المدى الطويل، أو أن نقوم بلعب دور الضحية ونلقي باللوم على الآخرين أو على ظروف خارجية، وهذا قد يؤدي بدوره إلى حياة عنوانها العجز واليأس والحنق الدائم المستمر.

فلذلك، كلما سارعنا بمواجهة حقيقة أن الحياة متعبة، استطعنا التعامل مع العقبات والمشاكل التي نمر بها. يقول مارك «يجب أن يكون لدينا شيء نحله حتى نكون سعداء.. مهما تكن مشاكلك فإن الفكرة تظل نفسها: حل مشاكلك وكن سعيدا».

MohaAlmu@