علي الحجي

رحلة قفلخان لبلاد السلطة

الأربعاء - 10 أغسطس 2022

Wed - 10 Aug 2022

قفلخان شاب عصامي من جمهورية خيارستان، وسميت بهذا الاسم لأن للخيار مكانة خاصة لدى شعبها، فبالنسبة لهم هي رمز الخير بلونها الأخضر الجميل، ولا بد أن تضمن في كل أجزاء حياة كل خياري كرمز وهوية وبركة، مع مجموعة عادات وتقاليد وأوباد تتعلق بباقي الخضراوات، والتي تصنف تنازليا وفقا لدرجة قربها وبعدها عن الخيار وصولا إلى الفلفل الأحمر، الذي تعتبر درجة سحقه والتهامه بسرعة دليل «العلم الغانم»، والقدرة على تحمل حرارته دليل «بطولة».

قرر «قفلو» كما تحب أن تسميه أمه السفر للبحث عن عمل خارج البلاد، وكانت صدمته عظيمة عندما قدم له صحن سلطة وفيه خيار مقطعة جنبا إلى جنب مع الخس والطماطم والفلفل الأحمر، وما إن شاهد المنظر حتى صعق، وانقض على الصحن يجمع قطع الخيار ويحاول إلصاقها ببعضها، أو على الأقل إبعادها عن الفلفل، لكن جهوده لم تكتمل فباقي أجزاء الخيارة غير مكتملة، وربما قدمت لزبائن آخرين بذات الطريقة، والتهمت ببرود ولامبالاة، فأخذ يقفز على الطاولات ويبحث بين صحون الزبائن، فما كان من عمال المطعم إلا رميه للخارج.

هذه الصدمة تسمى تأثير الإجماع الكاذب، وهو تحيز معرفي يميل فيه الناس للإفراط في منطقية آرائهم، وصدقية معتقداتهم، وأصالة ثقافتهم، ومناسبة تفضيلاتهم وقيمهم وعاداتهم للطبيعة الحياتية، وأنها النموذج الأكمل والأسلم.

عالم النفس «لي روس» أجرى تجربة على مجموعة من طلابه، فطلب منهم أن يسيروا في ساحة الجامعة، ويغنوا أغنية معينة كل على حدة بصوت عال، البعض وافق وفعلها، وآخرون تحرجوا ورفضوا المحاولة، لاحظ أن غالبية الطلاب الذين وافقوا على الغناء كانوا يرون أن أي أحد يمكن أن يفعل ما فعلوه، في حين قال غالبية الرافضين إنه لا يمكن أن يفعل أحد ذلك.

الصدمة من تأثير الإجماع الكاذب لا تتوقف عند الاعتقاد بصحة فكرة أوعادة ما، بل تتجاوزها إلى ردود الفعل تجاه الآخرين، ولماذا لا يعتقدون بنفس الاعتقاد، وتكون لهم نفس ردة فعلك وحكمك، وتفسير لامبالاتهم، وإصدار أحكام تجاههم بالبلادة أو الجبن أو حتى العمالة.

الإنسان عندما يقوم بأمر غير مألوف يصيبه توتر، فيعتقد أنه الشخص الوحيد الذي يقوم بهذا العمل غير المألوف، فيعيد حساباته ويفكر في الأمر ويحلله، وحتى يتجنب الدماغ بذل هذا المجهود يعطي انطباعا أن هذا الأمر سائد، ولست وحدك من يمارس هذا السلوك أو يعتقد بهذه الفكرة.

عندما تعتقد أن هذا اللباس غير مناسب، يخيل إليك أن كل الناس تشمئز منه، بينما هناك من لا يعنيه، ومن يستلطفه، ومن يناسب ظروفه ووضعه وذوقه، وكذلك الأمر مع الكثير من المظاهر والعادات والتقاليد والأفكار والسلوك وآليات التعامل، فهي أمور فرضتها الأحداث وظروف المكان والزمان، وإذا انتهت صلاحيتها ستنتهي شئت أم أبيت، فالأصلح والأنسب يفرض نفسه وسيغادر بعد وجود ما هو أصلح منه.

@aziz33