شاهر النهاري

تعليمنا والتغييرات المفيدة للرؤية

الاثنين - 08 أغسطس 2022

Mon - 08 Aug 2022

كل الطرق في السعودية الجديدة تؤدي إلى الرؤية، ولا شك أن ما تراكم على مدى عقود، لن يكون من السهل تجريفه عنوة، والولوج بسرعة في المفاهيم العلمية والتقنية الحديثة، دونما وجود عقبات، يجب التعامل معها بالعقل والمنطق، والرؤية التأسيسية الصائبة، حتى لا نجد الأمور تخرج من باب التشدد، لتعود من نافذة التعجل.

أصدر مجلس شؤون الجامعات برئاسة وزير التعليم قرارا بتحويل 40 كلية نظرية في بعض المحافظات إلى كليات تطبيقية: (صحية، تقنية، وهندسية) وترشيد القبول في البرامج الأكاديمية النظرية للتواؤم مع احتياجات سوق العمل.

والخبر بحد ذاته مفرح، كون الكليات والجامعات النظرية لم تكن تعطي أكلا، حتى سمعنا عن رسائل ماجستير ودكتوراه غريبة مضحكة، مثل «دكتوراه في الأصوات الصادرة من بطن الإنسان»، وهو عنوان مؤدب لدراسة جمع فيها صاحبها ألفاظ وأوصاف القرون القديمة لأصوات تصدر داخل البطن، أو من خلال فتحة الشرج!

ولو كانت هذه الدراسة طبية، وبالمفهوم العلمي العصري السريري، وبما يلزم من فحوصات وكشوفات مجهرية وكيميائية وتحاليل لما كان هنالك عجب، ولكن أن تكون مجرد رصد نظري من أقوال الحكائين، فهذه كارثة!

الكليات والجامعات النظرية تم تأسيسها على نهج التلقين، والحفظ، والتلاعب بمعاني الألفاظ، وبما لا علاقة له بالمنطق، ولا بالعلم الحديث التجريبي، ما يجعلها متنافرة مع المعارف المتطورة والمجالات العلمية، والبحوث، التي تساهم بتكوين الأسس المتينة للتقدم العلمي، والتي تعترف بها جامعات العالم أجمع، ولا يكون لها خصوصية وهمية، تجعلها مجرد مجلدات، لا يستفيد منها أحد.

ومن هذا المنطلق فلا بد من التساؤل عن تفاصيل النهج الجديد لتلك الكليات المتحولة، وهل أسس لها بطرق علمية، وهل سيكون لها طواقم تدريسية متميزة في العلوم، أم أن نفس الفرق القديمة، سيتم ترميم مفاهيمها من خلال دورات مبسطة، تمكنها من الخروج من النظري للعلمي بمردود غير مضمون؟

القفزة قوية، وتحتاج إلى تغييرات جذرية، ليس فقط في المسميات، ولكن بالأبنية والتجهيزات، وبالتسلسل العلمي من خلال المدارس، ومناهجها، التي يمر منها الطالب، كي لا يشعروا بازدواجية بنائهم الفكري في الكلية، التي تطلب منهم المستحيل.

الكليات العلمية خطيرة إذا ما تم التساهل في صنعها، لأنها تمس حياة الإنسان، بتواصلها عمليا وعلميا مع المستشفيات، أو المصانع، أو التشييد الهندسي والتقني، وبما يجعل الخطورة ممكنة، بمجرد ضعف المستوى العلمي، وعدم قدرة الطالب على استيعاب الرياضيات والعلوم الفيزيائية، والكيميائية، والتقنية، وكل ذلك مرتبط بإجادة اللغة الإنجليزية، التي تدرس بها تلك المعارف، وبالتالي استحقاق عوالم البحوث التجريبية، التي ترفض الترديد، والتلقين، ولا يهمها صف الحروف على الأوراق.

هذه القفزة العلمية عظيمة، وفي وجهة نظري أنها تعتمد على قدرات الوزارة ليس المادية فقط، ولكن في تمكين تحول جذري عظيم، كان من الممكن أن يتم في البداية في كلية أو كليتين، لقياس القدرة، والنهج، والمصداقية في دخول عوالم العلم، من أصدق أبوابها، وبأشخاص منتقين، من خلفيات علمية، لا نعود نخشى معهم العودة للفراغ الوهمي الفكري، والعملي، وهذا ما سيجنب الوطن من تخريج نوعيات ركيكة مشوهة من الفنيين، وحالات مسخ وسطي، لا هو علمي، ولا هو بمردد للصوت الحسين!

shaheralnahari@