عبدالحليم البراك

لماذا يكذب المثقفون!؟

الاثنين - 08 أغسطس 2022

Mon - 08 Aug 2022

لا يقصد بهذا العنوان معناه الحرفي، بل ما هو أبعد من معنى الكذب إلى تزوير الواقع باللغة، ومعالجة الأخطاء بالأخطاء يدعمها لغة المثقف الغنية بالمفردات والتعبير والمصطلحات الفكرية،

والحقيقة أن المثقف هو من ضمن منظومة المجتمع ولا يمكنه أن يخرج منها إلا قليلا وهذا القليل هو فعل الثقافة، وهو بهذه الأداة يتميز عن غيره، أما عدا ذلك ففيه من سلامة الرؤية والتفكير وسوؤها مثل ما لدى غيره.

يقاوم المثقف العنصرية بأفكار أكثر تقدمية ورؤية أكثر اختراقا للواقع، وهو نفسه يقع في العنصرية ذاتها، ففي الوقت الذي دعم سارتر الثورة الجزائرية في سبيل أن يقرر الشعب الجزائري مصيره بنفسه إلا أنه لم يقف مع الحق الفلسطيني الذي يحق له الآخر أن يقرر مصيره بنفسه وله حق الحياة مثلما لغيره حق أن يعيش، والغرب الذي أنصف العلوم، وأعاد للثقافة اليونانية وهجها الفلسفي هو نفسه الذي تجاهل الأثر الإسلامي أو العربي في العلوم في المرحلة الوسيطة أو دور الحضارات ما قبل اليونان على الثقافة اليونانية، فالعلماء أنفسهم الذين أنصفوا علومهم، هم أنفسهم الذين تبنوا الانحياز وجملوه باللغة والفكر والثقافة ودعموه بالتحليل!

وينغمس المثقفون بالثقافة ودقائقها حتى يخرجوا من أجواء العالم كله، لأنهم صاروا أقرب لتفاصيل العلم منه إلى الحاجة للعلم، حتى يصبح العلم «سفسطة علمية» -إن صحت الكلمة- أكثر منها علم للحياة وتسخيرها، فترى علوما ينفق عليها ملايين الدولارات ومجاعات في العالم يمكن حلها بأقل من قيمة صاروخ ينطلق للمريخ يبحث عن حياة هناك!

المثقفون يبررون الأخطاء، يتحالفون مع الظلم، ويدعمون الأخطاء الكبيرة، وتلعنهم أفكارهم التي يتشدقون فيها؛ فيدعم هيدجر النازية في تناقض كيف لكبير أن يقع في هذه المصيدة، والمثقف -كغيره- طائفي ما إن يتخلى عن خوفه حتى تظهر أمراضه الاجتماعية على هيئة فلسفة فكرية على ورق، يصل إلى تبرير الإقصاء والإيذاء تحت مسميات النقد وإعادة البناء، وفجأة يقول لك هذه قناعاتي، والحقيقة أنها استجابته لوضعه الاجتماعي على هيئة مقالة!

المثقف جبان يغطي صورة جبنه بلغة العقل والتفكير والمنطق والروية وفهم الأمور، فـ «كانط» يكتب كتابا يصفه أحيانا بأنه للمثقفين فقط ولا يفهمه العامة، ردا على تهديد ملك بروسيا له، برغم أن كتابه هذا قلب نظرية المعرفة رأسا على عقب، ويجمل المثقف المستقبل بتصورات لغوية لا تلبث إلا أن يفضحها الوقت الذي حول المستقبل إلى حاضر ثم إلى ماض ليظهر عكس ما هدف كلامه، فهو لا يظهر جبنه بل يظهر حكمته باللغة الساترة لهذا المثقف المتخاذل، ولو أن للناس ذاكرة لا تنسى لرأينا مثالب المثقفين أشد فتكا من مثالب عامة البشر!

في المجمل يمكن القول بأن هذا الكائن البشري المدعو مثقفا، إنما هو يجمل سوءته بالثقافة، ويتبرج باللغة ليجمل اللغة، ويحسن من قبحه بالأهداف غير المعلنة، لأنه إنسان فقط! ولدرجة ما يمكن القول إن مصداقية الإنسان -والمثقف جزء منها- هي نسبية ومرتبطة بحقيقة دوافعه وإنسانيته، وهو كغيره مريض بالشهوة والظلم والسيطرة والإقصاء وعدم الاعتراف، ولن تنجو الثقافة من أوزار المثقفين حتى تنقد من داخلها وتسير على مسارها الصحيح وتعود إليه كلما حادت عنه، وهذا العرض السوداوي لا يعني عدم وجود نافذة بيضاء في الأفق، قد تكون هي أصل الأمل!

Halemalbaarrak@