فهد محمد الأحمري

مبروك سعادة السفير

الخميس - 04 أغسطس 2022

Thu - 04 Aug 2022

وهل هناك أجمل من جملة.. «مبروك سعادة السفير» كبشارة من قيادي عند التعيين سفيرا لدولة بحجم المملكة العربية السعودية ذات الثقل السياسي والاقتصادي والمكانة العربية المتجذرة في عمق التاريخ وعبق الجغرافيا وقبل هذا وذاك، المكانة الروحية لحوالي ملياري مسلم يصوبون وجوههم وقلوبهم لقبلتهم خمس مرات يوميا.

مبروك سعادة السفير والتي تعني أنك ستكون ممثلا لخادم الحرمين الشريفين وهو وسام عظيم قد يفوق مراتب أعلى منه وزارية كانت أو غيرها لأن من يتقلد هذا المنصب سيكون الممثل الأول للملك في هذا البلد أو ذاك وأنعم به من شرف.

قد يبدو للعيان أن المنصب شرفي سهل الممارسة غير أن الأمر يختلف تماما حين تقرأ كتاب «سفير بين قطبين» وبين أسطره أحمال ثقيلة وتبعات جسيمة، مهنية وشخصية وأسرية واجتماعية وغيرها الكثير والكثير.

ولأن الناجحين ليست مسيرة حياتهم وردية، فقد بدأ الكاتب القصة بـ «غصة» نشأت في مقتبل عمره ولازمته طوال عمره من هدم لمعالم طفولته من بيوت وحوار ومدارس. ورغم أن حياته الدراسية استهلت بجملة «أنت ساقط وستعيد السنة» وهي الجملة التي تحطم نفسية الكبار فضلا عن طفل في سنته الأولى، دون ذنب منه، غير أن هذا التعثر الدراسي انسحب بقدرة قادر على بعض أبنائه وبناته في إعادة بعض أعوام وفصول الدراسة، كضريبة للعمل المهني الدبلوماسي في التنقل من بلد إلى بلد آخر.

وضرائب عمل الدبلوماسي والسفير لا تنتهي، كما يشير الكتاب، فعلاوة عن البعد عن أحضان الوطن الكبير والوطن الصغير -الوالدان والأسرة ورفاق الدرب- فهي كذلك تنال من حياة ومستقبل الأطفال في النشأة والتعليم والثقافة سيما حين يكون التعيين في أقاصي البلدان بين القطب الشمالي والجنوبي -وهو سبب اختيار عنوان الكتاب- وبين العودة لأرض الوطن ثم الانتقال مجددا لدولة ودولة أخرى مختلفة ثقافيا وتعليميا ومناخيا كذلك.

كل هذا وذاك يكون له الأثر البالغ في حياة واستقرار الفرد في جوانب عديدة غير أن شرف تمثيل المليك والوطن والعمل على تغيير الصورة النمطية السلبية عن بلدنا عند المجتمعات الأخرى على المستوى الرسمي والشعبي والإعلامي والتي تستقي معلومات مغالطة من وكالات معادية، يبدد كل تلك المعاناة الشخصية والأسرية كما يشير المؤلف.

إن تعدد التعيينات لدى دول مختلفة في حياة الدبلوماسي دليل جلي على نجاحه والتي تقدر الدولة ذلك النجاح، فصاحب الكتاب تنقل بين حوالي 11 محطة وربما أكثر، كإداري ثم دبلوماسي قبل أن يتعين سفيرا، بدأها بطهران واختتمها بالنرويج علاوة على أندونيسيا التي عين فيها بعد نشر الكتاب.

لقد عشت مع الكتاب أحداثا مثيرة شخصية وأسرية ومهنية غيرت من نظرتي للمهنة المفخرة والمرهقة في آن واحد، فليس كل مهمة دبلوماسية جديدة في بلد معين يتخلله استقبالا باذخا وحياة وديعة فهناك زلزال مدمر بقوة 8 ريختر في الانتظار في المطار في إحدى المحطات، وهناك مهمة أخرى غير صحية في عاصمة التلوث الأولى في العالم، وفق الكتاب، إلى هزة أرضية تثير الرعب خلال اجتماع رسمي في دولة أخرى يهرب على أثرها المجتمعون إلى الخارج! وهناك الأنين والحنين لبلد واحد في آن واحد كما حصل للكاتب في بلد قدم إليها باكيا وودعها باكيا.

هذا نموذج يسير لحياة سفير سطره سعادة السفير عصام الثقفي في كتابه «سفير بين قطبين» ومن هنا كان لزاما علينا كمواطنين، الدعوات بظهر الغيب لكل سفرائنا الكرام وعموم البعثات الدبلوماسية بالتوفيق لقاء ما يحملونه من مهام جسام محفوفة بالمعاناة والمخاطر والمسؤوليات وكثير من الإنجازات المشرفة للوطن والمواطن.

FahadAlAhmary1@