باسل النيرب

الاصطياد الرقمي عبر التزييف العميق

الثلاثاء - 02 أغسطس 2022

Tue - 02 Aug 2022

تقدر دراسات بحثية أن الخسائر الناتجة من عمليات الاحتيال الالكتروني تتجاوز 206 مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة، ومع بدء انتشار «محدود» لتقنية التزييف العميق، دخلت عمليات الاحتيال الالكتروني مرحلة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي، مستغلة قواعد البيانات المتوفرة للتلاعب بالصور والفيديو ومقاطع الصوت.

بدأت عمليات الاحتيال الالكتروني باستغلال التزييف العميق عام 2019، ومن الحوادث الثابتة استخدم محتالون برمجيات قائمة على الذكاء الاصطناعي لانتحال صوت رئيس تنفيذي لإحدى الشركات، وطالب «المحتال» بتحويل 243 ألف دولار دون الكشف عن الخدعة، وابتكر قراصنة محاكاة صوتية لمسؤول تنفيذي في أحد البنوك في منطقة الشرق الأوسط متبوعة برسائل بريد الكتروني مزيفة وأقنعوا موظفي البنك بتحويل 35 مليون دولار، وتم التحويل.

تم تعريف تقنية التزييف العميق بأنها شكل ناشئ من المعلومات المضللة، تستخدم بشكل خبيث لاستهداف السياسيين والمشاهير والمواطنين العاديين، ومؤخرا أصبح التزييف العميق مرتبطا بشكل متزايد بالمواد الإباحية بحيث يمكن للتزييف العميق إنتاج مقاطع فيديو لشخص يقول أو يفعل أشياء لم يقم بها، وتتميز هذه التقنية أن ناتجها مقارب للحقيقة، وكلما كانت خبرة المحتال وقدراته على التحكم في التقنية عالية كان التزييف ناجحا، ويزداد تطورا بمرور الوقت.

من المخاطر الرئيسة للتصيد باستخدام التزييف العميق، انتشار «الاحتيال الشبحي» وهو استيلاء المحتال على بيانات شخصية لجني مكاسب مالية، وفي مجال «احتيال الحسابات» إنشاء حساب جديد من خلال معرفات وطنية مسروقة لفتح حسابات بنكية جديدة، إلى جانب طرق أكثر تعقيدا تعرف بـ «الاحتيال الاصطناعي للهوية» التي ينشئ المحتالون من خلالها هوية رقمية جديدة لشخص، متولدة من مجموعة من معرفات رقمية لعدد من الأشخاص الآخرين.

الوعي العالمي ومواجهة الاحتيال الالكتروني ومواجهة التزييف العميق أصبحت مدار اهتمام الدول، فقانون الخدمات الرقمية «DSA» الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتنظيم المخطط للاتحاد الأوروبي للمحتوى والسلع والخدمات غير القانونية عبر الإنترنت، بناء على مبدأ أن الأشياء غير القانونية خارج الإنترنت يجب أن تكون غير قانونية عبر الإنترنت، ومن المتوقع أن يدخل القانون حيز التنفيذ عام 2024، وسيتم تطبيقه على جميع الخدمات عبر الإنترنت التي تعمل في الاتحاد الأوروبي، ولكن مع التركيز بشكل خاص على المنصات الضخمة للغاية على الإنترنت، مثل فيس بوك ويوتيوب ومحركات البحث الضخمة للغاية عبر الإنترنت مثل قوقل.

حيث تطالب لائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة، المدعومة بقانون الخدمات الرقمية، شركات التكنولوجيا بالتعامل مع هذه الأشكال من المعلومات المضللة على منصاتها، وتهدف القواعد المشددة إلى منع التربح من المعلومات المضللة والأخبار المزيفة على تلك المنصات، بالإضافة إلى زيادة الشفافية حول الإعلانات السياسية والحد من انتشار «السلوكيات الخبيثة الجديدة»، مثل الروبوتات والحسابات المزيفة والتزييف العميق، وقد شارك فيها شركات قوقل، ميتا، تيك توك، وتويتر إضافة إلى 33 موقعا للعمل على القواعد المشددة والاتفاق على اللائحة الجديدة، وستضطر الشركات التي قامت بالتسجيل في القواعد الجديدة إلى مشاركة المزيد من المعلومات مع الاتحاد الأوروبي مع التزام جميع الموقعين بتقديم تقارير أولية عن تنفيذهم للقواعد بحلول بداية عام 2023.

ويلزم القانون الجديد المنصات الرقمية مراعاة قدر أكبر من الشفافية في خوارزميات المقترحات أو التوصية التي تعرضها أمام المستخدمين لغرض توجيههم لمنتج أو محتوى بعينه، وألا تبنى المقترحات على أساس دين أو جنس أو هوية المستخدم، مع ضرورة توافر إلغاء التوصية، ومكافحة ما يعرف «النمط المظلم» بحيث يتم دفع المستخدم وجذبه للنقر على إعلانات أو رسائل تحوي معلومات مضللة.

وتبقى مكافحة انتشار المعلومات الخاطئة وما يرتبط بها قضية مجتمعية أمنية معقدة ومتطورة لا يمكن لقانون واحد أو شركة واحدة أن تضع لها حدا، فغالبا ما تستخدم المنصات تقنية التزييف العميق كورقة توت، للتغطية على حقيقة أنها لا تفعل ما يكفي بشأن الأشكال الحالية للمعلومات المضللة، وتسمح لمثيري الأخبار الكاذبة بنشر المعلومات المضللة بشكل مباشر، ومسألة ظهورها على نطاق أوسع على المنصات عبر الإنترنت ستكون هي الأبرز لشيوع برامج المونتاج المتطورة، والقابلية للتعامل مع الفيديو كوسيلة مؤثرة في صناعة المحتوى، وستصبح هذه التكنولوجيا أكثر انتشارا بشكل سريع خلال السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين في المعلومات، والأمر متروك لقادة الدولة والمجتمع بغرس التربية الإعلامية لكافة فئات المجتمع، وخاصة الفئات الأصغر سنا، ثم بعد ذلك نغلظ العقوبات على المخالفين.

B_Nerab@