التوجه الكائني منهج متكامل للتحول في عالم الميتافيرس

الأحد - 31 يوليو 2022

Sun - 31 Jul 2022

سبق ونشرت مقالتين في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، تتناولان مفهوما مقترحا للتحول المستقبلي، بهدف توسيع المفهوم التقليدي للتحول «الرقمي»، إلى مفهوم أوسع (التحول الموجه بالكائنات، أو التحول الكائني) للإحاطة بالتطورات الهائلة التي اتسعت لتشمل كل ما يحيط بنا، بل يمكن القول إنها تتجه نحو بناء عالم آخر يوازي عالمنا التقليدي، وفي حينها قد لم أتمكن من إيضاح الهدف من تلك المقالات لجميع القراء، خصوصا غير المتخصصين منهم، ويأتي هذا المقال لتوضيح هذا المفهوم، في ضوء التطورات الأخيرة وما سينتج عنها. حيث أصبح ما يعرف بمفهوم «الميتافيرس» يتصدر اهتمام كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، وفي مقدمتها شركتا مايكروسوفت وفيسبوك، وتوج هذا الاهتمام بتغيير اسم شركة فيسبوك الى «ميتا».

«الميتافيرس» باختصار، يهدف إلى تمثيل كل ما يحيط بنا في الواقع، لبناء عالم افتراضي مواز، نجد فيه كل ما موجود في عالمنا. فالتقنيات اليوم، تتجه لتصبح جسرا يربط العالم الحقيقي بالافتراضي، عبر تصميم ما بات يعرف بالتوائم الرقمية التي تمثل نسخا رقمية، لكائنات الواقع.

والمفهوم الذي أعمل عليه، موجه لبناء منهج متكامل، للتعامل مع المنطقة التي يتم فيها ارتباط العالم الواقعي بالافتراضي، فالتطورات التي يفرضها الميتافيرس بحاجة لرؤية شاملة لتواكب تشكل هذا العالم، وبيئة الأعمال فيه. يأتي هذا المفهوم، لطرح منهج هجين على مستوى الفكر واستراتيجية العمل، وآليات التواصل؛ فالمستقبل سيقوم على وظائف هجينة، تجمع أكثر من تخصص وتتطلب كذلك مهارات مدمجة، فمعرفة البرمجة فقط قد يساعد في إنجاز بعض المهام، لكن الأمر قد يتطلب البرمجة وفق رؤية متكاملة، تأخذ بالحسبان سمات وخصائص بيئة المستقبل، ليتمكن الأشخاص من العمل والتفاعل، ومناقشة الأفكار افتراضيا.

وبحكم تخصصي في مجال نظم المعلومات الإدارية، دائما ما كانت منهجية التطوير الموجه بالكائنات تثير اهتمامي، لما يمكن أن تقدمة في مجال التحول المستقبلي وتحدياته، في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والافتقار لمنهجية شاملة للتحول، من هنا اقترحت هذه المنهجية بناء على عدة مؤشرات، للتعامل مع عالم هجين، وكما يلي:

- الفكر (فكر هجين متعدد الأبعاد)

المستقبل بحاجة لفكر متعدد الأبعاد، ومغادرة التفكير الخطي، لتسريع الابتكارات في عالم تتلاشى فيه الحدود بين ما هو مادي ورقمي وحيوي، ونلاحظ أن كافة التقنيات تتجه نحو هذا الاندماج والتداخل، الذي سيشكل الإطار العام للثورة الصناعية الرابعة. هذه المنهجية بدورها تركز على الكائنات (الأشياء) من حولنا، على اختلاف أنواعها، باعتبارها ستكون مادة التحول أو جوهر التحول، والكائنات وفق هذه المنهجية، هي أي شيء حولنا يحمل خصائص معينة، ويؤدي وظائف محددة، وهنا يتم العمل على تمثيل صورة الكائن، لتحويلها لأكثر من بعد، من الحالة الطبيعية (مادية أم حيوية) إلى صورة رقمية عن طريق تحديد ما تتميز به هذه الأشياء أو الكائنات من خصائص (سمات)، وما تقوم به من وظائف (سلوك)، في العالم الحقيقي، ليتم تضمين تلك الخصائص والوظائف، في النماذج أو الكائنات الرقمية التي يتم تطويرها، فالتطوير لا يتم فيها استنادا إلى أفكار عامة، بل يتم استنادا لكائنات الواقع.

- الاستراتيجية (كائنية التوجه)

قد يساعد تحديد جوهر التحول، في اعتماد نموذج عمل، يسهل من التعامل مع التغييرات المتسارعة، حيث يلاحظ أن كافة التقنيات، تركز على محاكاة كائنات الواقع في الحلول التي تطرحها، وهذا يشمل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وكذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد، وصولا إلى تقنيات الواقع الافتراضي و»الميتافيرس».

والاستراتيجية الكائنية، تقدم لنا تجريدا أفضل لكائنات الواقع، وليس هذا فقط، بل إن المرونة الكبيرة في هذه الاستراتيجية تسرع من إمكانية تعديل الحلول، كلما طرأ جديد على أرض الواقع، من خلال تعديل سمات ووظائف تلك الكائنات.

وتنفذ هذه الاستراتيجية من خلال التركيز على خصائص ووظائف الكائنات (باعتبارها جوهر التحول)، حيث يتم تحديد تلك الخصائص والوظائف في مرحلة تحديد المتطلبات، ليتم تمثيلها مباشرة في مرحلة كتابة الكود الخاص بالتطوير، وكما هو معروف فإن الكود البرمجي يضم (متغيرات) و (دوال). ووفق هذه الاستراتيجية يتم تمثيل خصائص الكائنات «كمتغيرات» وكذلك يتم التعويض عن وظائف الكائن «كدوال» في عملية التطوير، وبذلك تكون هذه الاستراتيجية مرنة جدا في التعامل مع التطورات والتغيرات المستقبلية، حيث تسمح بتعديل الحلول كلما حدثت تطورات على أرض الواقع، والتعديل يتم بتغيير بيانات (خصائص ووظائف) تلك الكائنات، نتيجة التغيير الحاصل في العالم الواقعي، ليصبح الحل ملائما لمتطلبات الواقع وبكفاءة، لأن خصائص ووظائف الكائنات هي بمثابة خطوط تربط العالم الواقعي بالافتراضي.

- آلية (لغة) للتواصل والتفاعل

آلية التواصل في هذا المنهج لها المساحة الأكبر من هذه المقالة كونها تقدم مثالا لعملية التواصل والتفاعل وإشراك المستفيدين في عالم ثلاثي الأبعاد، والآلية تتمثل في لغة النمذجة الموحدة وهي وسيلة رسومية مبسطة للتعبير عن الأفكار الخاصة بالتطوير البرمجي، سبق وتناولتها في سياق المقالات التي تتحدث عن منهجية التطوير الكائني، حيث صممت هذه اللغة لتدعم المنهج الكائني وهي معتمدة في الوسط الصناعي لعدة شركات عالمية، وبعدها تم تبني هذه اللغة من قبل منظمة مجموعة الإدارة الكائنية (OMG) لصيانتها وتطويرها، لتصبح بعدها هذه اللغة، لغة عامة، وليست ملكية خاصة.

تضم هذه اللغة عدة مخططات خاصة تسمح بمناقشة الأفكار والتفاهم عليها وفق صيغ محددة، ودون الحاجة للسرد اللغوي، وكل منها يعطي مستوى مختلف من التفاصيل، ومنظرا من زاوية محددة لمنظومة العمل، ولكافة الأطراف بما فيهم المستفيدين.

أهم هذه المخططات ووظائفها:

- مخطط وقائع الاستخدام: (تحديد المتطلبات) كيف سيتعامل المنتج مع العالم الخارجي؟ وصف لسلوك المنتج من وجهة نظر المستخدم، ويتم كذلك تحديد اللاعب المؤثر في بدء أو تفعيل عمل المنتج.

- مخطط الصنفية: (تحديد وبناء الكائنات)، الصنفية ببساطة هي الأرضية التي يقوم عليها الكائن، ويتم فيها تحديد سمات وخصائص الكائن، فالصنفية عبارة عن قالب عام والكائن هو نسخة منها، مثلا إذا كان لدينا صنفية «سيارة» فهي تحمل الصفات العامة لأي سيارة، ولكن الكائن الذي ينتج عنها، يمكن أن يكون مثلا «تويوتا» أو «مرسيدس» أو «أودي» أو غيرها من السيارات. كذلك إذا كانت الصنفية بعنوان «إنسان» فإن الكائنات التي تنتج عنها يمكن أن تكون «رجل» أو «امرأة» أو حتى يمكن أن تكون «طبيبا» أو «مهندسا» فالصنفية قالب عام لا يحمل أية قيم، وإنما القيم ستظهر في الكائنات التي ستنتج عن أو تتجسد في تلك الصنفية.

- مخطط التعاون (تعاون الكائنات) في عملية تطوير البرامج في المنهج الكائني، إذا احتاج البرنامج أن يقوم بأي شيء، فإن ذلك يتم من خلال تعاون الكائنات، ورسم مخططات التعاون سيساعد في وصف الكيفية التي تتعاون بها الكائنات مع بعضها وبالطريقة المناسبة.

- مخطط التعاقب (تعاون الكائنات بمرور الوقت) يعتمد هذا المخطط على مخطط التعاون، ووظيفته تشرح كيفية تعاون الكائنات مع بعضها عبر الزمن، أي تحديد أسبقيات العمل، فعلاقة التعاون بين الكائنات لن تبقى على حالها، بل ستتغير بمرور الوقت، وهذا المخطط يصور هذا التغير.

- مخطط الحالة (تبدل حالة الكائن) وظيفة هذا المخطط تحديد ما هي الحالات التي يجب أن تكون عليها الكائنات، أو بمعنى آخر تصوير تبدلات الحالة بالنسبة للكائن، حيث تسمح هذه المخططات بالأخذ في الاعتبار تغير الحالة التي يمر بها الكائن، لتحديد التأثيرات التي قد تطرأ.

- مخطط التحزيم (التقسيم والتجزئة) تساعد هذه المخططات بتقسيم المنتج إلى أجزاء فرعية، أسهل للفهم وبطريقة سهلة وفعالة. حيث يركز هذا المخطط على الفصل المنطقي لمكونات المنتج (الكائن).

- مخطط المكونات (ربط مكونات المنتج) وهي تتشابه مع مخططات التحزيم حيث تسمح لنا بترميز كيفية فصل أو تقسيم المنتج فعليا، ومن ناحية اعتماد كل جزء على الآخر.

- مخطط التجهيز (تشكيل المنتج للتجهيز) تقدم لنا مخططات التجهيز نموذجا يمكننا من خلاله اختيار الطريقة الأنسب لتشكيل المنتج لتجهيزه للزبون، وحسب الظروف والمتطلبات.

مخططات هذه اللغة تسمح بالتمثيل أو التجسيد المنطقي لأنشطة الأعمال، بأسلوب تقني يركز على الكائنات، هذا التجسيد يمكن أن يتكامل مع التجسيد أو التمثيل التكنولوجي للكائنات المتبع في الميتافيرس، بالتالي يساعد هذا على بناء حلقة متكاملة نظريا وتطبيقيا، للتحول الجديد المتمثل بالميتافيرس، تسمح هذه المخططات لكافة الأطراف بما فيهم المستفيدين من الاطلاع على سير العمل والتدخل وإبداء الرأي في أي مرحلة من المراحل، أي أنها تساعد في بناء منظور متكامل لمنظومة العمل لتسهيل تناولها من جوانب مختلفة، بالإضافة إلى وجود بعد الاستدامة الذي تدعمه هذه المنهجية، من خلال الاعتماد على الطبيعة بكل ما تحويه من كائنات بخصائصها ووظائفها، في عملية تطوير الحلول التكنولوجية.

@Ibrahimkhalaf85