عبدالعزيز منديلي

استدامة الجودة

الثلاثاء - 26 يوليو 2022

Tue - 26 Jul 2022

يعد التعامل مع الخبرات المتراكمة من أهم العوامل المؤثرة في معدلات الجودة، فغياب المنهجية الصحيحة أو ضعفها يقفز بمعدلات الهدر إلى أعلى مستوياته التي قد تهدد كيان المنظمة، خاصة تلك الخبرات التي عاصرت مؤشرات الصعود والهبوط في لوحة الأداء، والتي تحتفظ في ذاكرتها الكثير من سيناريوهات النجاح والفشل، وأيام النشاط والركود.

إن التعامل مع ذوي الخبرات الطويلة والكفاءة العالية كأصول ثمينة؛ من شأنه أن يصحح نظر الإدارة وينقلها من قاع مراقبة الإنتاجية الفردية إلى الاهتمام بتأسيس معامل لتوريث الكفاءات، إلا أن تلك النظرة -بحد ذاتها- بحاجة إلى الفطنة العميقة في مجال الإدارة.

فالخبرة الواسعة في مجال ما لسنوات طويلة قد تجعل من الشخص الطبيعي حذقا في حقل تخصصه، إلا أن ذا الفطنة العميقة قادر على وضع الأسس والقواعد والتشريعات التي تختصر الكثير من خطوات النجاح والتميز، مع ما يمتلكه من مهارات استجابة عالية الجودة لأي تغيرات طارئة.

الفطنة العميقة (Deep Smarts) مصطلح أطلقه خبراء الإدارة على الأشخاص المتمتعين بالمعرفة العميقة في مجال ما عبر سنوات طويلة من الممارسة، مما جعلهم قادرين على استيعاب الصورة الشاملة، بالإضافة إلى قدرتهم على تشخيص الأمور الدقيقة والمبهمة، الأمر الذي أكسبهم حدسا كافيا لاتخاذ القرارات الصحيحة المناسبة في الوقت المناسب.

وبحسب مجلة هارفارد بزنس ريفيو، فإن معظم تصاميم برامج التدريب والتطوير في المنظمات تهتم بنقل المعرفة الإدارية والتقنية فحسب، وهذا أمر جيد لا بأس به، إلا أن فقدان اللمسة المهارية التي تتجلى في المواقف الحاسمة والعقبات المستجدة قد يرشدنا إلى مراعاة بعد آخر من أبعاد التدريب والتطوير. هذا البعد يتطلب دعما سخيا من القيادات العليا، واستعدادا جادا من فريق العمل، إذ إن إخراج ذلك كله يسهم في رفع معدلات الجودة وتحجيم معدلات الهدر.

من المؤسف أن تلجأ بعض المنظمات في الحالات الحرجة والتي تظن أنها طارئة إلى جهات خارجية، في الوقت الذي كانت تزخر ذات المنظمات بعقليات فذة وإمكانات عالية وجدت طريقها نحو التقاعد أو الانتقال إلى وجهات جديدة دون تثمين لتلك المقدرات، وكان من الممكن نقل تلك المعرفة إلى الأجيال اللاحقة بطريقة سلسة ممنهجة، فلك أن تتخيل مقدار هذا الهدر!

هنالك أركان أساسية لاستدامة الجودة، من أهمها المخزون المعرفي للمنظمة. يقول جون تريسي، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة بوينج: ليس كافيا أن تكتب خطوات إنشاء طائرة في صفحة أو صفحتين، بل أنت بحاجة إلى استراتيجيات وأساليب ممنهجة لتوثيق خبرات متراكمة ومعقدة تم اكتسابها على مر السنوات.