أحمد الهلالي

الرئيس جو بايدن في السعودية!

الثلاثاء - 19 يوليو 2022

Tue - 19 Jul 2022

لم يكن هذا العنوان في حسبان أحد إبان اقتراب بايدن من الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن الرجل ركب موجة هجوم الإعلام الغربي المناوئ لترمب، وتعهد في حملته الانتخابية بجعل السعودية منبوذة، لكن الأمر جاء على خلاف ما كان يظنه السياسي المخضرم، فقد وجد نفسه بعد الحرب الروسية الأوكرانية في أمس الحاجة إلى السعودية، ورغم محاولاته باستعلائية الغربي المعهودة أن يحل المسألة بإرسال المبعوثين، أو بالمكالمات الهاتفية على شروطه الخاصة، لكن كل ذلك لم يجد استجابة من قيادة السعودية التي تؤمن بدورها شريكا لحليفها القديم، لا تابعا ينفذ ما يملى عليه، وهذا من أهم مبادئ السيادة التي تفردت بها السعودية في المنطقة، وليس موقف الملك سلمان وولي عهده جديدا، فمواقف الملك فيصل يرحمه الله والملك عبدالله إبان حقبة أوباما وهيلاري كلينتون، ورفض المملكة لعضوية مجلس الأمن، وغيرها كلها ما تزال في الذاكرة، وهي مواقف منطقية مبررة، تخلو من العنتريات والمراهقة السياسية.

جاءت زيارة بايدن في فترة حرجة جدا للمجتمع الدولي، بعد اهتزاز صورة أمريكا في انسحابها الهزلي المفاجئ من أفغانستان، وكذلك خذلان حلفائها الشرق أوسطيين بإحياء البرنامج النووي الإيراني، وتراجع قرارها في الحفاظ على أمن الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب، ثم اكتمل تعقيد المشهد العالمي بالحرب الروسية الأوكرانية، وموقف السعودية المحايد، والشائعات المقلقة التي تتحدث عن استبدال السعودية للدولار باليوان الصيني، وعزم الرياض على التوسع في التبادل التجاري والعسكري مع الصين، فكان كاهل بايدن مثقلا إلى درجة ألجأته لمراجعة قراراته جميعا، وهي أيضا فترة حرجة للمجتمع الأمريكي الذي جثم عليه كابوس التضخم، وهو لم يتعاف بعد من جائحة كورونا، فكان قرار الزيارة البايدنية إلى المنطقة حكيما لحل الكثير من التعقيدات، واللقاء بالقادة واستعادة ثقتهم بحليفهم القوي.

الملفات الدولية والاقتصادية ثقيلة جدا على الرجل، لكن الحرب الإعلامية الشرسة التي تطارد زيارته كانت أثقل، فمن جهة انبرى أنصاره الديموقراطيون الذين شحنهم الإعلام إبان الفترة الانتخابية يحاسبونه على تعهداته وتصريحاته القديمة، وهي لعنة لاحقته حتى وهو يجلس على طاولة المفاوضات وجها لوجه مع السعوديين، وصوت الصحفية الأمريكية يجلجل في آذان المتقابلين: «هل ما تزال السعودية دولة منبوذة»؟!، ومن جهة أخرى انبرى إعلام المحافظين للتشنيع عليه في عدم وفائه بتعهداته، وفي تفريطه فيما أحرزه سابقه ترمب، ما تسبب في ضغط هائل على بايدن ألجأه إلى الإدلاء بتصريح تنقصه الدقة حول حديثه مع سمو ولي العهد، في محاولة بائسة لامتصاص غضب الأمريكيين، فكان قرار السعوديين في إظهار الحقائق ذكيا؛ ألجأ البيت الأبيض إلى الاستدراك وتبيان الحقائق كما رواها الدبلوماسيون السعوديون بعد تصريحات بايدن.

إحساس بايدن بتفريطه السياسي في منطقة الشرق الأوسط بدا واضحا في رسالته إلى الصين وروسيا من خلال تكرار عبارة (لن نترك فراغا)، وهي لا تعبر إلا عن الخوف والإحساس بالفشل، فالمنطقة ليست فارغة، وسيادة دولها تعطيها الحق في مد جسور علاقاتها تبعا لمصالحها، بعيدا عن وصاية الأمريكيين أو غيرهم، وهذا المعنى ظهر جليا في كلمة ولي العهد حين تحدث عن اختلاف القيم بين الدول، ومن حقوق السيادة ألا يتدخل الحليف في شؤون حليفه الخاصة.

عاد بايدن إلى بلاده بجعبة ليست ممتلئة، فالسعودية وعدته بالعمل ضمن منظمة أوبك+ على زيادة الإنتاج إلى الحد الأقصى لقدراتها الإنتاجية، وسيجد لعنة تصريحاته الانتخابية ما تزال تطارده، وربما تؤثر على حظوظه في الانتخابات النصفية، وهذا درس للسياسيين الذين يجرفهم الحماس الانتخابي إلى مزالق خطيرة، فالسعودية ليست دولة هامشية على المستوى العالمي ليجعلها بايدن دولة منبوذة!

لم تكن صفعة، بل كانت لكمة -على قياس مصطلح Fist bump (اصطدام القبضة) الذي شاع في الإعلام الغربي في أول تواصل بين الزعيمين- لكمة قاسية للمنظومات السياسية والإعلامية العربية والغربية المناوئة للسعودية، حين استقبل ولي العهد السعودي بايدن وقاد اجتماع القمة السعودية الأمريكية، واجتماع القمة الخليجية العربية الأمريكية، وكان تأثيرها واضحا حسبما قرأت في الكثير من المقالات والتعليقات الأمريكية على الزيارة.

ختاما، ما يزال ينال بلادنا شرر الهجوم الإعلامي، سواء في ملفات حقوق الإنسان، أو في الحرب العربية على الحوثي في اليمن، أو غيرها، لكننا مؤمنون بحكمة قيادتنا وقوة خطابنا السياسي، وتزداد قناعتنا بضرورة تقوية منظوماتنا الإعلامية الموجهة إلى الخارج، وتصحيح الروايات المغلوطة، وتوضيح الحالة المعقدة للصراعات السياسية والعقدية في الشرق الأوسط، فالآلة الإعلامية الغربية شرسة جدا، تعضدها آلة إعلامية عربية ضلت مسعاها، ما تفتأ تشوه صورة بلادنا، وتؤلب الرأي العالمي ضدنا.

ahmad_helali@