محمد النفاعي

دعوة لاقتناء الجلابيب الإدارية

الثلاثاء - 19 يوليو 2022

Tue - 19 Jul 2022

«لن أعيش في جلباب أبي»، هذا العبارة هي عنوان لمسلسل مصري اكتسب شهرة كبيرة عند عرضه في التسعينيات الميلادية، ترتكز فكرتة الرئيسة على موضوع الاختلاف والصراع بين جيل الآباء والأبناء، وبالتحديد كيف أن الابن اختار مسار حياة مختلفة عن الأب، وهذا ما كان يضايق الأب وخاصة أنه الابن الوحيد لديه من بين أربعة أخوات.

الجلباب في هذا المسلسل ما هو إلا رمز للحالة الاجتماعية والفكرية للأب التي يحاول الابن تفادي ارتدائه بسبب اختلاف الظروف المتغيرات من حوله عن زمن أبيه كما يدعي.

ما علاقة هذا الجلباب بما أسميه «مفهوم الجلابيب الإدارية».

كلمة الجلابية والتي جمعها (جلابيب وجلابيات) وفقا لبعض التعريفات، هي «ثوب فضفاض يلبس في المناطق الريفية والصعيد والنوبة، وهو بمعنى الجلباب. والجلابية عبارة عن قطعة قماش مزخرفة تفصل على مقاس وحجم الجسم وتكون واسعة معظم الأوقات ولها أشكال وألوان عديدة وتختلف من بلد لآخر، وتسمى أيضا الدشداشة والكندورة في عدد من البلاد العربية».

من وجهة نظري أرى هذا المفهوم للجلابية يمكن الاستفادة منه للمهتمين بعلم الإدارة والمجتمع الوظيفي.

حيث يمثل الجلباب تبني الديناميكية في التعامل مع متطلبات القيادة والإدارة حسب المكان والزمان والأشخاص داخل بيئة العمل. فكرة التنوع في الاختيارات عند ارتداء الجلابية يستحضر ما أطلقنا عليه «مفهوم الجلابيب الإدارية». إذن بشكل مبسط هذا المفهوم ما هو إلا دمج فكرة الجلباب مع المفاهيم والنظريات الإدارية الحديثة المتعلقة بالموارد البشرية والتطوير المؤسسي.

على أرض الواقع، أقرب النظريات الحديثة في علوم التنمية البشرية التي تعزز هذا المفهوم هي نظرية «القيادة الظرفية» Situational Leadership، هذه النظرية التي ترجمتها إلى اللغة العربية هي «القيادة الموقفية» تعد ناشئة مقارنة بالنظريات الإدارية الأخرى ومن أهم ركائزها كيفية التعامل الأمثل بحسب الظرف الزماني والمكاني أو الموقفي للقائد والمرؤوس على حد سواء وهذا يشابه التنوع في طقوس ارتداء الجلباب كما ذكرنا.

الجدير بالذكر أن العمود الفقري للقيادة الموقفية يقوم على أنه لا وجود لما يعرف بـ»الأسلوب الأفضل والأوحد للقيادة»؛ فالقائد الذي يستطيع الإتيان بالسلوك المناسب والتحكم بالظروف تزيد نسبة فعاليته في القيادة بنسبة كبيرة ومن ثم تحقيق النجاح المهني مقارنة بقرنائه.

ما تعلمته كقيادي أن ارتداء الجلباب المناسب في الوقت المناسب، وهذا ليس سهلا بالتأكيد، يعتمد على الوضع الآني والظرف الزماني والمكاني للقائد والمرؤوس ونوع المهمة الموكلة المراد إنجازها.

السلوك والقرارات يجب أن تتم بدون التضحية بأهداف المشروع واستراتيجية المؤسسة كأولوية، لذا يمكننا تشبيه الجلابية بالمثال الشائع «لكل مقام مقال».

في دراسة نشرت في مجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية»، وجد الباحثون أن مجموعة من قضاة الإفراج ذوي الخبرة الكبيرة يفكرون بعناية أكبر خصوصا في بداية اليوم وبعد كل استراحة غداء، حيث تزيد منح إخلاء السبيل المشروط ولكن مع استمرار الجلسات تقل النسب مع زيادة شعور القضاة بالإنهاك والتعب. هذه الدراسة تدعم تأثير الظرف الزماني على سلوك الأشخاص في بعض الأحيان ونوعية القرارات.

الجلباب الإداري ما هو إلا محاولة التنويه بدمج واستحضار نقاط القوة في نظريات القيادة الكلاسيكية مثل السمات والسلوك والظرفية مع ما تقدمه المدارس الحديثة في القيادة مثل فلسفة القائد الخادم servant leadership والقائد الموثوق به authentic leadership.

ختاما، يجب التنويه إلى أن المهمة الأولى التي تقع على القائد هي أن يضع في اعتباره نمط العلاقات بينه وبين المجموعة ونوع المهمات ومستوى السلطة التي يريد تطبيقها ومستوى النضج لدى المرؤوسين، وبعد ذلك يسهل له اختيار المهمة المناسبة والأسلوب الأمثل للحصول على النتائج المطلوبة للجميع. وكما قال كين بلانشارد «مفتاح القيادة الناجحة اليوم هو التأثير وليس السلطة».

msnabq@