خضر عطاف المعيدي

الأمراض في ميزان الشرع

الثلاثاء - 19 يوليو 2022

Tue - 19 Jul 2022

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).

كلما ألمت بالبشر ظاهرة تزعزع كيانهم هرعوا للأديان للبحث عن تفسير ديني لها، ولكن المصيبة تكون أعظم حينما نلوي عنق النص ليتناسب مع الظاهرة، مبتعدين بذلك عن المعنى الصحيح للنص الديني.

ومن الظواهر التي ألمت بالبشر حديثا هي ظاهرة Covid-19 التي عم بلاؤها أرجاء المصقوعة والتي أزهقت أرواحا بالملايين وأرهقت البنى التحتية لكثير من الدول بل ووضعت حملها على الاقتصاد الدولي مما جعل بعض الدول تعلن صراحة بأنها على شفا جرف هار.

وهذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الكونية ليست حديثة عهد بالبشر فلقد عانت البشرية على مر العصور من الكثير من الملمات التي أهلكت البشر وهي سنة كونية لا يعلم الحكمة منها سوى من دبر هذا الكون سبحانه، لكن التفسيرات الدينية لمثل هذه الظواهر ذهبت لأقصى زاوية من التفكير لتتجاوز بذلك التفكير العقلي والمنطقي الذي يتماشى سواسية مع النص الديني، فلقد هرع الكثير من الوعاظ إلى تنبيه الناس أن ظاهرة مثل «كورونا» إنما هي بسبب الفساد في الأرض، وهم أصابوا بذلك حينما قرنوها بالفساد، ولكنهم في الجانب الآخر قد ذهبوا بعيدا حينما فسروا «الفساد» بما يجول في خاطرهم وليس ما نص عليه النص الديني؛ «فالفساد» لفظة مطاطة وشديدة المرونة لغويا وتنحرف مع السياق بحسب وقع النص الدلالي.

فأكل أموال الناس بالباطل «فساد»، وظلم الإنسان «فساد» وعدم المساواة بين الناس «فساد»، والعرقية والعصبية القبلية «فساد»، وسرقة الأبحاث وجهد الآخرين «فساد»، والغش في الإنتاج الفكري والمادي «فساد» وهلم جرا. ولكن نجد أن أغلب الوعاظ قد ربطوا اللفظة بالفساد الأخلاقي فقط، فالسلوك المرتبط بالتفسخ والخروج عن صندوق تفكير المجتمع يعتبر المناط الأقرب الذي ترتبط به لفظة «الفساد»، وهم بذلك قد كبلوا اللفظة بأغلال تمنع العاقل من تحريرها.

ونجدهم قد أقصوا المعاني الصحيحة «للفساد» مما جعل البعض حينما ينطق لفظة «الفساد» كأنه ينطق «بالإباحية» لا غير. لقد نسوا أن الفساد هنا ليس بالفساد الذي أشارت إليه الملائكة حينما خلق آدم عليه السلام، وليس الفساد الذي سيخلفه يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة وإنما هو الفساد بجوهر البيئة.

نعم فالفساد بالثروات البيئية هو «الفساد» الذي تشير إليه الآية وهو الفساد الذي يشل حركة الكون ويغير من المركبات الحيوية التي جعلها الله في الأرض لتكون الأرض مكانا صالحا للعيش. إذن فالتلاعب بالبيئة هو أشد فسادا من الفساد الأخلاقي فهو السبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري بسبب نضوب طبقة الأوزون الناتج عن كثرة انبعاث ثاني أكسيد النيتروجين والكلوروفلوروكربون وغيرها من المركبات، وظاهرة التصحر Deforestation نوع من الفساد الذي خلفه الإنسان حينما عمد إلى اجتثاث الأشجار من جذورها للاتجار بها تاركا خلفه الكثير من الحيوانات النافقة بسبب التصحر، وظاهرة تلويث مياه البحر Contamination وذلك بتصريف بقايا الزيوت والمواد الكيميائية نوع من «الفساد» جعل الآلاف من الكائنات البحرية والأسماك تخرج لخارج البحر.

كل ذلك وغيره هو الفساد الذي أخل بالتوازن البيئي وجعل البيئة -النقية في أصلها- بؤرة لتوالد وتكاثر الفيروسات والكائنات المايكروبية وانتشارها. ومن هنا يتوجب أن يلتفت الإنسان لما خلف من «فساد» في الأرض ويتدارك الأمر بإصلاحه قبل أن يزداد الأمر سوءا فيخرج عن السيطرة؛ فالكون مخلوق بميزان دقيق «إنا كل شيء خلقناه بقدر» ولفظة «قدر» هنا تعني ميزان، وحينما يلعب الإنسان في هذا القدر يضر بحياته وحياة من جاوره في هذا الكون من الكائنات.