عبدالله العولقي

الأيديولوجيا والسياسة الواقعية

الأحد - 17 يوليو 2022

Sun - 17 Jul 2022

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، استعد العالم لاندلاع بوادر الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي بقيادة ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي، وقد ظلت هذه الحرب ما يقارب 45 عاما، وبعد انتصار واشنطن وحلفائها وتفكك المنظومة السوفييتية، تعددت الآراء والأفكار تجاه عوامل الانتصار والخسارة بيد أن موضوعا مهما يقف وراء كل تلك الآراء وهو العلاقة التصادمية بين الأيديولوجيا والسياسة الواقعية.

الفكرة تقول بأن الأمريكان انتصروا في تلك الحقبة بسبب انتهاجهم لسياسة الواقع والتي منحتهم مرونة واسعة في ميادين السياسة بينما انهزم السوفييت لأنهم كانوا أسرى لقيود الأيديولوجية المؤطرة والتي تحولت إلى عراقيل وعقبات أمام تحركاتهم السياسية، وعندما أدركت موسكو أهمية الواقعية وبدأت في منهجية المرونة والإصلاح كان الختام قد أدركها!!

في هذه الأيام.. تعود عجلة الزمن مرة أخرى تجاه الأيديولوجيا والسياسة الواقعية ولكن بصورة مختلفة وقد تصل إلى الصورة المعاكسة تماما، فقد بدأ الحزب الديمقراطي الأمريكي في العقود الأخيرة وكأنه أسير للأيديولوجيا اليسارية المتطرفة وبعيدا عن السياسة التقليدية الأمريكية بينما نجد الروس في أزمتهم الحالية يريدون فرض واقع دولي جديد ينم عن عودة روسيا كقوة عالمية بفضل انهم درسوا عوامل انهيار منظومتهم السابقة وأن السياسة الواقعية هي السبيل لعودتهم كقوة مواجهة مع الولايات المتحدة.

قبل عدة أسابيع هاجم الإعلام اليساري الأمريكي بأيديولوجيته المتعصبة مخضرم السياسة الأمريكية ووزير خارجيتها الأسبق هنري كيسنجر بسبب آرائه تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، ومن المعروف أن السيد كيسنجر من أشد المتحمسين للسياسة الواقعية، وأشد الكارهين للأيديولوجيا المؤطرة.

يتساءل البعض عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية ذات الثقل السياسي والاقتصادي الأكبر في المنطقة، هل هي بمثابة إعادة تصحيح بوصلة السياسة الأمريكية تجاه مصالحها الفعلية، وكما اعتبرها البعض بمثابة التنازل عن منهجية الأيديولوجيا اليسارية لصالح السياسة التقليدية للبيت الأبيض أو سياسة الواقع، والتي كانت في السابق تستند في منهجيتها الواقعية على التحالفات التاريخية والحفاظ على الأمن العالمي ومنها بالطبع أمن منطقة الشرق الأوسط.

من الحكمة أن تستمر واشنطن كسياسة واقعية عامة وعبر حزبيها الرئيسيين للحفاظ على علاقتها التاريخية مع حلفائها الاستراتيجيين، فهناك عدة مصالح دولية تهم العالم برمته كأمن الطاقة وتأمين سلاسل الإمداد الدولية وتأمين الممرات المائية، وفي المقابل فإن للعرب بقيادة المملكة العربية السعودية أيضا مصالحهم كسياسة واقع في المنطقة تفترض بتقديم مصالحهم أمام الاعتبارات الأخرى، ومن أهم تلك المصالح الحفاظ على سياسة التوازن في العلاقات الدولية.

albakry1814@