خالد عمر حشوان

التضخم الاقتصادي

السبت - 16 يوليو 2022

Sat - 16 Jul 2022

يعرف التضخم الاقتصادي بأنه تغير نسبي مؤثر ومستمر في مستوى الأسعار العام بالزيادة في اقتصاد دولة ما في فترة زمنية معينة (مع العلم بأن الزيادة المؤقتة لا تعتبر تضخما) وتظهر هذه الزيادة نتيجة التوسع في العرض أو الطلب أو زيادة التكاليف، ويعمل التغير في مستوى أسعار السلع والخدمات والعناصر المكونة لها على انخفاض القوة الشرائية لدى المستهلكين في هذه الدولة يرافقها تأثير في قيمة النقود المتداولة وانخفاض قيمتها الفعلية.

للتضخم عدة أنواع مختلفة نلخص أهمها في التالي:


  1. التضخم الأصيل: وهو تضخم عادي ينتج عن زيادة أعداد السكان وزيادة احتياجاتهم الاستهلاكية ولا يقابلها زيادة في إنتاج السلع، فتقوم بعض الحكومات بإصدار كمية كبيرة من العملات تؤدي لارتفاع أسعار المنتجات في الأسواق.



  2. التضخم على الطلب: وينتج عن الطلب العالي على السلع والخدمات ويظهر بمقارنة فرق الأسعار بين المنتجات المحلية والمستورة من الخارج وقد يظهر بشكل مؤقت ويستمر لفترة زمنية طويلة ويختص عادة بالسلع الغذائية الأساسية والرحلات السياحية في المواسم والإجازات الرسمية.



  3. التضخم المتسلل (الزاحف): تضخم يكون بطريقة تدريجية بثبات أو انخفاض معدلات الإنتاج وقلة توفير السلع والخدمات فيبدأ الارتفاع التدريجي في أسعارها بسبب شراء السلع من أجل تخزينها ويؤدي ذلك لتوقف نمو الإنتاج.



  4. التضخم المفرط: ينتج عن زيادة عرض النقد في السوق وانخفاض قيمته الشرائية، والبعض يعرفه على أنه تجاوز في معدل الزيادة في الأسعار عن 50% ويعتبر من أصعب أنواع التضخم وأكثرها سلبية على المجتمعات وقد حدث بالفعل في عدة دول أوروبية أثناء الحرب العالمية.



  5. التضخم المكبوت: يحدث مع حرص بعض الحكومات على زيادة ضخ النقود بسبب النفقات العامة التي تؤدي لزيادة الأسعار، فتتدخل هذه الحكومات بتحديد حد أعلى للأسعار وضبط عملية التعامل في البيع والشراء لكبت التضخم.



  6. التضخم المستورد: وهو الذي يحدث عند ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج وتؤدي لارتفاع السلع المحلية لاحقا بسبب هذه الزيادة وتحول المستهلكين للسلع المحلية وزيادة الطلب عليها.



  7. التضخم الركودي: حدوثه يكون غالبا في فترات الركود على الطلب مما يؤدي لانخفاض أو توقف الإنتاج وركود النمو الاقتصادي وتكون له نتائج سلبية في مؤشرات اقتصادية مثل زيادة نسبة البطالة وزيادة معدل احتكار السلع.



  8. تضخم الأجور: وهو ارتفاع أجور العاملين أكثر من ارتفاع تكاليف المعيشة ويحدث عند نقص العمالة أو رفع نقابات العمال الأجور أعلى من أي وقت مضى أو تحكم العمال بفعالية أجورهم، لذلك بسببها ترتفع أسعار السلع والخدمات.






أسباب التضخم الاقتصادي:



  • زيادة التكاليف: مثل أجور العاملين أو تغير قوانين بعض الدول أو أسعار المواد المستخدمة في الإنتاج أو رفع تكلفة الخدمات مثل الكهرباء والغاز والاتصالات والماء وغيرها من تكاليف الإنتاج فتكون سببا رئيسيا للتضخم.



  • المخالفات الاقتصادية: يحدث التضخم بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قابليتها للانخفاض حتى بعد انخفاض الطلب بسبب عدم الرقابة والفساد الاقتصادي في بعض الدول وسيطرة بعض المؤسسات التجارية على الأسواق والتحكم في الأسعار والسلع.





  • الحصار الاقتصادي: أي حصار اقتصادي على دولة ما، من بعض الدول يؤثر سلبا على الأسعار، مثل حصار الولايات المتحدة على إيران، فلا تستطيع هذه الدولة استيراد احتياجاتها من السلع مما يؤدي إلى نقص كبير في السلع وزيادة في الطلب عليها فتزداد أسعارها، وهو أسلوب سياسي للضغط على الدول المعاقبة اقتصاديا.



  • زيادة الطلب على السلع والخدمات: وهو الأكثر شيوعا في التضخم بسبب زيادة الطلب على السلع والخدمات أكثر من المعروض منها، فيتم زيادة أسعارها في الأسواق من التجار لزيادة الأرباح ويضطر المستهلكون لقبول هذه الزيادة بسبب قلة العرض، وقد يحدث بسبب زيادة معدل النمو الاقتصادي عن معدل النمو المتوقع فتزداد الثقة في المستقبل ويزيد الطلب وترتفع الأسعار، وقد يكون أيضا بسبب تخفيض سعر صرف العملة لزيادة أسعار الواردات وتقليل قيمة الصادرات للدولة فترتفع الأسعار ويزيد الطلب.



  • ديون الدول: وهو الخيار التي تستخدمه بعض الدول بزيادة الضرائب والرسوم لسداد الديون التي عليها فترتفع أسعار السلع والخدمات في الأسواق ويحدث التضخم الاقتصادي.



  • عدم كفاءة السياسات النقدية والمالية: فقد ينتج تضخم اقتصادي بسبب قرارات اقتصادية لبعض الدول لا يسبقها دراسات كافية ودقيقة لهذه الإجراءات مثل طباعة المزيد من الأوراق النقدية المحلية مما يؤدي لزيادة الأسعار.






تختلف طرق علاج التضخم حسب نوع وسبب التضخم كما ذكرنا سابقا ويترتب على بعض الدول انتهاج أسلوب السياسة المالية الأمثل للتضخم، وتلجأ بعض الدول لتخفيض نسب ومعدلات النقود المعروضة بالاعتماد على زيادة نسبة الاحتياطي القانوني، وسوف نلخص أفضل الطرق

لعلاج التضخم في التالي:

أولا: السياسة النقدية، والتي تعد بأنها أفضل طرق علاج التضخم وتخفيض كمية النقود بالاعتماد على الأدوات التالية:



  • معدل الفائدة: هو سعر تعامل المؤسسات والبنوك التجارية مع عملائها مقابل ادخار المبالغ والأرصدة في البنوك ويبدأ دور البنوك في العلاج بامتصاص الفائض من السيولة بالسيطرة على أسعار الفائدة للودائع.



  • معدل الخصم: هو المعدل المستخدم لقياس القيمة الحالية للتدفقات النقدية، وهو سعر تعتمد عليه البنوك المركزية والتجارية ويحقق قيمة أعلى من سعر الفائدة مما يؤدي لتحقيق الربح المادي للبنوك التجارية.



  • نسبة الاحتياطي القانوني: هي نسبة من إجمالي الودائع تحتفظ بها البنوك التجارية مجبرة دون فوائد لدى البنك المركزي الذي يمكنه تغيير هذه النسبة بقرار منه عند الحاجة، وتعتبر من أقوى أدوات السياسة النقدية لدى البنك المركزي وفعالة خاصة في البلدان النامية.



  • عملية السوق المفتوحة: يلجأ البنك المركزي لبيع وشراء السندات الحكومية من وإلى البنوك التجارية لرفع الاحتياطات النقدية وفسح المجال لها للاقتراض، وهي من أفضل طرق علاج التضخم لامتصاص الكتلة الفائضة والتحكم بشكل غير مباشر في كمية النقود المعروضة.






ثانيا: السياسة المالية، وهي سياسة بعض الدول لرصد المصادر المتفاوتة لأدواتها العامة وأهميتها وكيفية استخدامها وتوظيفها لتمويل الإنفاق العام من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، ومن أبرز هذه الأدوات هي:



  • الدين العام: هي وسيلة لتمويل نشاط الدولة من خلال إصدار الأوراق المالية وتتم بمعرفة حجم الدين العام ومعدل نموه وطريقة الحصول عليه، وفي حال حدوث فائض في الموازنة العامة للدولة فإن حجم الدين يظهر أثره بشكل واضح على الاقتصاد الوطني وأهميته في علاج التضخم وقد يكون دينا عاما داخليا أو خارجيا.



  • الضرائب: تخفيض الضرائب والرسوم والتعريفة الجمركية على السلع المستوردة ودعم وتشجيع الصناعات الوطنية وخاصة الناشئة ودعم بعض المواد الخام لها، يسهم في خفض تكاليف السلع والخدمات وبالتالي انخفاض أسعارها في الأسواق المحلية.



  • الإنفاق الحكومي: وهنا لا نعني خفض الإنفاق الحكومي الذي ينتج عنه تباطؤ النشاط الاقتصادي والذي يؤدي لتراجع الطلب وخفض معدلات السيولة والذي يؤدي بدوره إلى تخفيض المستوى العام للأسعار، بل نعني ترشيد الإنفاق الحكومي ورفع جودته وكفاءته، وهذه الطرق تؤدي للحد من الضغوط التضخمية على اقتصاد الدولة.






وهناك وسائل ثانوية تسهم في علاج التضخم، أهمها:



  1. تحديد الأسعار بسقف أعلى وحد أدنى والرقابة عليها بشكل مباشر للحد من الاستغلال وعلاج التضخم.



  2. استخدام نظام بطاقات توزيع السلع الأساسية لترشيد السلوك الاستهلاكي لأفراد المجتمع.



  3. تشجيع ودعم إنتاج الأساسيات بشكل أكثر من الكماليات؛ لأنها الأهم والأكثر فائدة للاقتصاد.



  4. زيادة السلع المعروضة خاصة الرئيسية حسب الطلب لتخفيف ضغوط التضخم في الأسواق.



  5. الرقابة على الأجور وتحديدها لتخفيف القيود المفروضة على الواردات.



  6. زيادة الإنتاجية بكافة الوسائل الممكنة ودعمها وتشجيعها للمساهمة في زيادة حجم الادخار القومي.



  7. العمل على تقارب ومساواة معدل الطلب على السلع والخدمات مع العرض في الأسواق للحد من التضخم.






ختاما.. يعد التضخم الاقتصادي مشكلة اقتصادية عالمية تعاني منها كثير من اقتصادات العالم وهو عرض وليس مرضا، ومؤشر خلفه تكمن حقائق قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية؛ لذلك فإن السيطرة على التضخم قبل وصوله لمستوى الخطورة يكون رهنا لأسبابه، ومهما تكن الأسباب التي تقرها النظريات الاقتصادية في تفسير آلية التضخم فإن آلية التضخم لا تأخذ منحى واحدا في الواقع العملي؛ لأنها تختلف من بلد إلى آخر ومن اقتصاد إلى آخر حسب مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والتركيب الهيكلي للاقتصاد الوطني، ورغم ارتفاع نسبة التضخم لعام 2021م إلى 1.24% إلا أن هناك فئة من الاقتصاديين توقعوا أن يكون عام 2022م هو عام التضخم العالمي بامتياز مما سيؤثر على الدول المستوردة أكثر من غيرها لأنها سوف تستورد التضخم من كل دولة تستورد منها.