صهيب الصالح

هل الطريق معبدة لحرير الصين؟

السبت - 16 يوليو 2022

Sat - 16 Jul 2022

تناضل الصين لنحت معالم دورها العالمي الذي بدأ في التبلور في ظل نظام دولي آخذ في التغير نحو التسيير الاستراتيجي للتحالفات والتوازنات من مسارات جيوسياسية، وليست كما كانت قائمة على التفوق الأيديولوجي خلال الثلاثة عقود الماضية، لذا باتت الدول -سيما الكبرى- تضع استراتيجيات تؤمن خلالها حاجاتها المتزايدة من الموارد الطبيعية المتناقصة، ثم بناء القوة وتعظيمها لحماية هذه المكتسبات وحفظ أمنها القومي، ما جعل العديد من البقع الجغرافية محل تنافس وصراع بين الدول الكبرى، على اعتبار أن هذه الجغرافيات تمنح الدول حيازات إما دفاعية أو اقتصادية ترجح كفتها في ميزان التنافس، وحسبما يحدثنا التاريخ غالبا ما تكون الأحداث الكبرى مثل الحروب، هي مشعل صعود وتبدل الحضارات والهيمنة على النظام الدولي.

وإزاء تلك الرغبة تندرج مبادرة طريق الحرير الصينية، أو ما يعرف بـ»الحزام والطريق» التي تهدف في المقام الأول إلى تحصين الوضع الجيوستراتيجي للصين من خلال إحياء طريقي الحرير البحرية «الحزام» والبرية «الطريق»، وهما الطريقان اللذان كانا قناطر عبور السلع والثقافات والعلوم بين الصين والعالم قبل نحو ثلاثة آلاف عام، وقد أطلق هذه المبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 وأدرجت رسميا ضمن جدول أعمال حكومة بكين في عام 2014، وتركز المبادرة على خمسة مجالات تتمثل في البنى التحتية والطاقة والموارد الطبيعية والطاقة الإنتاجية والنشاط التجاري والاستثماري، وقد بدأت الصين بالفعل منذ مايو 2017 بعقد القمم لمبادرتها في بكين، إذ تم آنذاك الإعلان عن تعزيز برنامج البنية التحتية العالمي باستثمارات إضافية، في حين أرادت الصين من القمة الثانية زيادة تعزيز الاستدامة المالية والبيئية لمشاريع المبادرة، وتؤكد الصين دائما على أن المبادرة تقوم على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي.

وبالنظر إلى عاملي الجغرافيا ومحاصيل الموارد الطبيعية يمكن القول بأن منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية تحظى بأهمية بالغة في المبادرة الصينية، لكن هاتين المنطقتين هما أيضا محل تنافس شديد بين عدد من القوى الكبرى؛ ما قد يجعلها عامل إعاقة أمام تحقيق الطموح الصيني، خاصة وأن الصين تصر على عدم الانخراط في لعب أي أدوار سياسية في مناطق تشتعل فيها السياسات يوما تلو الآخر، انطلاقا من مبدئها في تقديس السيادة ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول حتى في تلك الدول الهشة والمهمشة، بل وحتى الدول التي تهيمن عليها السياسات الأمريكية في إطار عملها على احتواء الصين؛ لإدراكها ربما بأن الولايات المتحدة تمر فيما يشبه أزمة منتصف العمر السياسية.وجل ما تقوم به الصين هو محاولاتها جذب مختلف البلدان أو تحييدها على الأقل، من خلال تسويق عناصر قوتها الناعمة الموجودة في مجالات طريق الحرير؛ لأن الصين تعي أن أكبر عائق أمام مشروعها قد يكون الاحتواء الأمريكي الذي أخذ بالتكاثر في عدة ميادين مثل منطقة جنوب شرق آسيا، ويندرج ضمنه الحرص الأمريكي على وجود نخب حاكمة حليفة لها في دول هي ركائز أساسية في سكة المشروع الصيني، مثل باكستان وتركيا، وهي دول طموحة ولها غنائمها المرجوة من خلف هذا الصراع، يضاف إليها كذلك أن إعاقة الانتصار الروسي في أوكرانيا من شأنه أن يكسب الولايات المتحدة نقاطا إضافية في احتواء الصين بحيث لا يمكنها إيجاد شريك استراتيجي تتماسك معه ويشد من أزرها في صراعها مع الولايات المتحدة؛ لكن هذه الحرب جعلت الصين تتنفس بأريحية مطلقة كونها ساهمت في تشتيت القوة الأمريكية من ناحية، وجعلت روسيا أكثر اعتمادا على الصين من ناحية ثانية؛ ما قد يرجح فرضية انقلاب هذا المؤشر من عائق إلى فرصة سانحة للصين في حال التفوق الروسي على الأرض في أوكرانيا.

إن نجاح مشروع طريق الحرير سيكون بمثابة تغيير للخرائط الجيوسياسية، سيما في مناطق الخليج وآسيا الوسطى وأوراسيا التي ستكون -في حال تدشينها- الجسور التجارية الرئيسة في العالم، وبالتالي ستكون المبادرة وسيلة مثلى لالتفاف الدول المارقة «مثل إيران» على العقوبات الغربية المفروضة ضدها، ما قد يجعل المواقف السياسية في بلدان تلك المناطق تتشابك أكثر وبالتالي تتعقد طبيعة العلاقات بينها في ظل انغلاق النظام السياسي والاقتصادي الصيني وارتباطه بشخص الرئيس، وهذا من شأنه أن يضفي على المبادرة نوعا من الغموض الشائك حول مصيرها، لذا قد نشهد في الفترة المقبلة انخراطا صينيا في سياسات المناطق التي لا تتعرض فيها للاحتواء الأمريكي الصارم مثل الشرق الأوسط والقارة الأفريقية؛ لأن الطريق أمام حريرها ليست معبدة بما يكفي.

@9oba_91