عمرو سعد الشهري

28!

الخميس - 14 يوليو 2022

Thu - 14 Jul 2022

بالأمس بلغت 28 عاما، هذا الرقم الذي كنت أراه مستقبلا بعيدا، أضحى اليوم حاضرا حقيقيا.

كنت أرى أصحاب هذا الرقم شبابا كبارا، واليوم أصبحت من ضمنهم!

سبحان الله، رغم زيادة الرقم، وزيادة الخبرات الحياتية، يظل إنسان اليوم هو نفسه طفل الأمس، وهو شيخ المستقبل.

يمسي ويصبح بين أمل منشود، و ندم موجود، أو جواب مفقود، هو نفسه ذلك الطفل الذي كان وما يزال يتعثر ويتعلم من عثراته، ما إن ينتهي من تجربة إلا وينتقل إلى أخرى بتحديات ودروس جديدة! كائن بين بينين، أو بالأحرى بين أقطاب متناقضة، يقدم أو يحجم، يفرح أو يحزن، يضحك أو يبكي، يأمن أو يخاف، كائن عجيب تأتيه لحظات يظن بأنه خيط من نسيج، ولحظات يظن بأنه غزل قد انَّقَض، وما بين هذا وذاك مشاعر و أفكار وأحاسيس قد تتكرر في حلقة لا تنتهي رغم تقدم هذا العمر.

الزعم بكمال المعرفة نقص، ولكن أكثر من حوالي ١٠ آلاف يوم في هذه الحياة قد تكون كفيلة بتعليمي بعض الدروس:

1- مهما بلغت ما بلغت أيها الإنسان فلن تخرج عن إرادة الله سبحانه، هذا الرب الكريم الذي رعاك في صغرك وأنت لا تعلم، هو الذي يرعاك بعلمك أو بدون علمك في يومك وغدك، فاطمئن، واسأله الهداية وأن يزيدك من أفضاله.

2- (سَلوا اللهَ العفوَ و العافيةَ ، فإنَّ أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقينِ خيرًا من العافيةِ) هذا الحديث -الذي لا يقدر بثمن- قاله الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. العافية هذا الكنز الذي والله لا نستطيع شكر الله عليه مهما شكرنا، فمن أنت أيها الإنسان من دون اليقين والعافية؟!

3- التوازن مطلب، قال سلمان رضي الله عنه: إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ.

4- النفس ما بين أركان ثلاثة: ملائكية فاضلة، وبهيمية غريزية، وشيطانية مقيتة، وهذا ما يجعل الإنسان مختلفا عن غيره من المخلوقات. فسدد وقارب أن تكون غريزتك مهذبة حتى تصبح ملائكيا، ولا تشمت بمن لم يقارب الصواب واسأل الله له الهداية، فما أنت إلا بين هذه الأركان الثلاثة، ولو لا ستر الله عليك لكنت أسوء منه.

5- كنت أتسائل كيف لرجل لا يقرأ ولا يكتب أن يغير مفاهيم مجتمعات بالية الفكر والمعتقدات ليس لها إلا القليل من مكارم الأخلاق في زمن صعوباته كثيرة ومشاقه جسيمة؟ ما السر خلفه؟

السر يكمن في نقاط عديدة أساسها (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، نعم إنها الرحمة، كن رحيما حتى مع من خالفك، فالاختلاف سنة كونية، فأنت لا تعلم حياة الآخر، وما هي الصعوبات التي واجهها، ربما توفرت لك فرصة لم تتوفر له، فارفق به. الرحمة لا تعني الضعف، ولكنها روية وحكمة، واحترام للغير، وسمو ورفعة، ولا تنس: (الراحمون يرحمهم الرحمن).

6- لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلت القرآن والسنة والقراءة والرياضة أجزاء أساسية من جدولي اليومي.

أخيرا أيها الإنسان: استمتع بالحياة -مهما أصابك فيها-، جرب وتعلم، وكن ذا أمل وعمل وكن محسنَ الظن بالله سبحانه مهما أخطأت، ولا تنس أنها مرحلة مؤقتة لحياة سرمدية ستنعم فيها بإذن الله سبحانه وتعالى.