وحيد الغامدي

كيف نفهم الإسلام بين مقولتين؟

الخميس - 18 أغسطس 2016

Thu - 18 Aug 2016

يقول إدوارد دي بونو الطبيب والمدرب الشهير في مهارات التفكير: (وجدت الإسلام أكثر دين يحث على التفكير) بهذه المقولة المجردة من حيثياتها دعونا نرى ما قاله البابا بنديكيت السادس عشر، حين قال: (إن الإسلام دين يجمد العقل)!



بين مقولتين متناقضتين، يجب أن يشرع الباب للمزيد من تسليط الضوء على زوايا النظرة التي انطلق منها كل من البابا بنديكيت، وإدوارد دي بونو، ولماذا اختلف كل منهما في إعطاء تقييمه العام عن الإسلام إلى هذا الحد من التباين؟ مع العلم أن كلا منهما له وزنه المعرفي والفكري الذي لا يمكن معه تمرير ما يقوله أي منهما دون بحث لما وراء الكلمات.



إن مقولة بنديكيت التي تقرر أن الإسلام دين جمود للعقل، لا ينبغي التعامل معها على أنها مجرد حقد ديني من بابا تجاه دين مختلف، كما هو الأمر ببساطته بين شيخ مسلم تقليدي ودين مختلف، وتصوير الأمر على أنه كراهية دينية مجردة، إطلاقا، فالبابا بنديكيت أكثر علما بالإسلام من إدوارد دي بونو الطبيب المهتم بمهارات التفكير، ولذا فما قاله بنديكيت – في عمقه - فيه شيء من الحقيقة الصادمة! فما هي؟



بداية.. الطبيب دي بونو محق فيما قال، حيث قراءته الشمولية للنصوص من الخارج، وهو صادق بلا شك في أن الإسلام دين يحث على إعمال العقل، إلا أن البابا بنديكيت قد تعمق أكثر في قراءة الإسلام إلى تلك الدرجة التي خبر بها المذاهب والاجتهادات الفقهية والعقدية التي لحقت بالإسلام وتعلقت به، فحين يقرأ مثلا قول أحدهم بوجوب تقديم النقل على العقل، ويقرأ أو تتاح له قراءة هذه النسخة من الإسلام، فماذا تريدون منه أن يقول وهو يرى ذلك الإغلاق المتعمد والتغييب الممنهج لنعمة العقل؟



ما تفوه به البابا بنديكيت يجب أن يكون صادما لنا ولثقافتنا ويعطينا القدرة على ممارسة نقد الذات الحر وبشجاعة ورغبة أكيدة في إصلاح الخلل، فالإسلام لم يكن بذلك التمذهب وتلك الاجتهادات المغلقة لأبواب العقل والتفكير، ولهذا فحين قرأ الطبيب دي بونو بشكل مجرد ومباشر من المصدر الأصلي للإسلام وجد تلك النسخة الأصلية من الإسلام الذي لم يتشوه بالآراء والاجتهادات التي أتت في عصور لاحقة، ولهذا أيضا فحتى بنديكيت في مقولته تلك لم يكن مخطئا بدرجة كبيرة سوى في أنه لم يفصل في حقيقة أن ما يقصده هو النسخة المعاصرة من الإسلام التي كانت نتيجة جملة من العمليات الاجتهادية التراكمية، والتي خرجت كثيرا عن نسق النغمة الأولى الأجمل والأكثر براءة وإشراقا، إلى تلك التي مال بها بعض الفقهاء عن المقاصد المؤكدة في القرآن أكثر من مرة عن وجوب التفكير والتدبر والتعقل والنظر والتأمل، وبشكل لم يتكرر بنفس الكمية للصلاة نفسها والعبادات الفرائضية الأخرى!



الأهم هو أن المسلمين اليوم حين يتباكون على خذلان حضارتهم وذهاب هيبتهم وزوال قوتهم وتأثيرهم، فيجب أن يكون هذا دافعا قويا إلى بحث جذور كل ذلك الذل والضعف معرفيا وتاريخيا بكل شجاعة.. فالمقولات الساذجة مثل: (مشكلة الإسلام في المسلمين أنفسهم)، أو مقولة: (لن تقوم لنا قائمة إلا بالرجوع إلى الدين الصحيح)، كل تلك المقولات الإنشائية المعلبة إنما هي عبء إضافي على المشكلة وعلى وعي ووجدان الأمة. فأي نسخة من الإسلام هي التي ستصنع حضارة؟ وأي رجوع يقصد به؟ وما آلياته؟ وما هو الدين الصحيح اليوم؟ كل ذلك وغيره يجب أن يطرح بمكاشفة شاملة تشمل علماء ومفكرين، في ثورة فكرية صادقة، هدفها أسمى من تصفية الحسابات المذهبية والتاريخية، وتبادل الاتهامات التي لا تشكل إلا وقودا مغذيا لاستمرار تلك الحالة من الضعف الحضاري والمعرفي.



[email protected]