عبدالله العولقي

الهند.. التطرف أم التقدم؟

الأربعاء - 06 يوليو 2022

Wed - 06 Jul 2022

لا شيء يعيق التقدم والازدهار مثل الغلو والتطرف، هكذا يقول واقع الأمم والمجتمعات، وفي حكاية الهند خير شاهد على ذلك، فكلما تقدمت الهند وأبرزت مفاتن حضارتها وثقافتها ظهرت قضايا التطرف والإرهاب تضرب مفاصل الدولة لتحول دون تقدمها، وفي كل حدث متطرف يسترجع الهنود اغتيال المهاتما غاندي مؤسس الهند الحديثة والذي اغتالته أيادي التطرف الهندوسي، وقبل عدة أيام أثار أحد السياسيين المتطرفين زوبعة إعلامية بحديثه المسيء للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وللطائفة الهندية المسلمة.

في هذا العام، تبوأت الهند المرتبة الاقتصادية الخامسة عالميا، فقد تمكنت نيودلهي عبر برامج تنموية محكمة من انتشال ملايين الهنود من أدقاع الفقر إلى فساحة الطبقة المتوسطة كتجربة ناجحة ومشابهة لتجربة جارتها الصين، حتى غدت اليوم تقف على ترسانة اقتصادية وسياسية تنافس بها العالم.

علاقة الهند بالعرب علاقة تاريخية قديمة بدأت منذ آلاف السنين عندما كانت الجزيرة العربية تمثل الممر الوحيد لتجارة التوابل والبخور واللبان إلى أوروبا، وعبر ذلك الممر ازدهرت عدة كيانات وممالك عربية في الزمن القديم، كما ترتبط الهند اليوم بعلاقة متينة مع المملكة العربية السعودية إذ تمثل الهند ثاني أكبر مستوردي النفط السعودي بالإضافة إلى العلاقة التجارية البينية والتي تشهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة.

ولو تأملنا طبيعة المجتمع الهندي لوجدنا أنه يعاني من تباين أديانه وتضارب أعراقه ولغاته، وهذه معضلة أمام البرامج التنموية بيد أن الهنود تمكنوا من تجاوزها عبر ترسيخ ثقافة العلم والتقنية بين جميع أبنائه، وتعد ولاية بانجلور أو وادي السيليكون الهندي إحدى أهم قلاع التقنية في العالم، ويكفي أن الولايات المتحدة نفسها تعتمد على الهنود في معرض منافستها التقنية مع الصين، إذ يشغل الهنود أهم المناصب القيادية والتنفيذية في كبار شركات التكنولوجيا الأمريكية كقوقل وأمازون ومايكروسوفت وآبل، فلولا الهنود لاتسعت الفجوة التقنية كثيرا بين الصين والولايات المتحدة!!

بعض المراقبين والاقتصاديين يرون أن رئيس الوزراء السابق مانموهان سينج هو عراب النهضة الهندية الحديثة عندما تمكن من تحرير الاقتصاد الهندي من قبضة الاشتراكية الموروثة عبر فتح أبواب الاستثمار الخارجي وتصدير العمالة الهندية التي أضحت رافدا اقتصاديا ضخما للخزينة الهندية، كما استطاع أن يحول الهند إلى ما يشبه صيدلية فقراء العالم، فهي المورد الأساسي للقاحات ومواد التصنيع الأولى لأغلب مصانع الأدوية العالمية.

وفي الختام، العالم يتجه اليوم إلى التعددية القطبية، ولا شك أن الهند تسعى إلى حجز مكانة في ذلك العالم الجديد، وكل المؤشرات تدل على قدرة نيودلهي بلوغ تلك المكانة في ظل التنامي المتسارع لاقتصادها وقدراتها السياسية والجيواستراتيجية، كل ذلك ممكن ما لم تسقط في وحل الصراعات الداخلية والاحتقانات الطائفية.

@albakry1814