حامد بن سليمان العيسى

نظام التكاليف القضائية

الاثنين - 04 يوليو 2022

Mon - 04 Jul 2022

(كتبت هذه المقالة بتاريخ سابق لدخول النظام حيز النفاذ، ونُشرت بنسختها الأصلية الإنجليزية في العدد السادس في يونيو 2022م بمجلة نقابة المحامين الأمريكية قسم القانون الدولي – مراجعة الشرق الأوسط).

يعتبر القضاء في المملكة العربية السعودية (المملكة) من الولاية العامة والتي يختص بها ولي الأمر (أي الملك) وهو من ينيب عنه من يشاء لتولي سلطة الفصل في النزاعات، وهو مرجع السلطات الثلاث – بما فيها السلطة القضائية - بناء على ما نصت عليه المادة 44 من النظام الأساسي للحكم.

يستند هذا الأساس على مبادئ الشريعة والتي تعد مصدر التشريع الرئيس في المملكة، وهي الحاكمة على جميع القوانين بناء على ما نصت عليه المادة 7 من النظام الأساسي للحكم.

ويرى بعض فقهاء الشريعة أن الفصل في النزاعات وبسط العدالة بين المتنازعين هو من أوجب واجبات ولي الأمر على رعيته؛ ولذلك لا يجوز لولي الأمر أو مؤسسات الدولة أن تتقاضى أجرا لتحقيق العدالة، كونه واجبا على ولي الأمر وحقا للرعية، وهذا ما يسميه البعض بمبدأ مجانية التقاضي، وهو أحد المبادئ التي يقوم عليها قضاء المملكة.

وعلى هذا المبدأ نهجت المملكة منذ تأسيسها؛ فلم يأخذ القاضي أي مقابل من المتخاصمين، ومرتبات القضاة تصرف من ميزانية الدولة، دون أن يتكبد المتخاصمون أي تكاليف للفصل في النزاعات، ومؤخرا صدر نظام التكاليف القضائية بموجب المرسوم الملكي رقم (م/16) وتاريخ 30/01/1443هـ الموافق 07/09/2021م (النظام) والذي فرض مبالغ مالية يلتزم المكلف بدفعها إلى إدارة مختصة في المحكمة (التكاليف القضائية)، وهذه المبالغ لا تدفع للقاضي، فلا زال القاضي يأخذ مرتبه من الدولة، وتودع هذه المبالغ في حساب جاري وزارة المالية فليس للقضاء أي مصلحة من هذه التكاليف، وهذا النظام يعد نقلة نوعية في المجال العدلي في المملكة واختلافا جوهري، فالقضاء – سابقا– كان بلا أي مقابل في جميع خدماته كما أشرنا أعلاه.

ومع ذلك يبقى السؤال: هل التكاليف القضائية خروج عن مبدأ مجانية التقاضي أم لا؟ يمكن القول وبشكل معقول أن التكاليف القضائية لا تعد خروجا عن مبدأ مجانية التقاضي، كون المحكوم عليه - بموجب النظام - هو من يتحمل قيمة التكاليف القضائية في نهاية المطاف، مما يعني أنه لا يحول بين صاحب الحق وحقه دفع أي مبلغ طالما أنه لن يتحمل أي تكلفة؛ وعليه فالعدالة هنا ما زالت مجانية وصاحب الحق يأخذ حقه بلا مقابل ويجازى الخاسر بالتكاليف جراء مطله لحقوق الناس وإلجائهم للقضاء، ولكيلا تكون التكاليف القضائية عائقا لرفع الدعوى فإنه وكقاعدة عامة لا يتوقف قيد الدعوى أو الطلب أو الحكم/البت فيهما على عدم دفع التكاليف القضائية.

على كل حال بعد دخول النظام حيز النفاذ لن يصبح القضاء مجانيا كالسابق، وكقاعدة عامة تفرض التكاليف القضائية على الدعاوى بمبلغ لا يتجاوز 5% من قيمة المطالبة وبحد أقصى مليون ريال، أما عن الطلبات ففرق النظام بينها، فمنها ما تعد أكثر كلفة كطلب الاستئناف والنقض وتصحيح الحكم وتفسيره وغيرها فيفرض عليها مبلغ لا يزيد عن 10 آلاف ريال، أما الطلبات الأقل كلفة كطلب الاطلاع على أوراق الدعوى وسجلاتها فيفرض عليها مبلغ لا يتجاوز ألف ريال، ويكون تقدير مبلغ كل دعوى أو طلب بحسب ما ستحدده اللائحة من معايير.

ومع ذلك أخذ النظام تفاوت القدرات الاجتماعية وظروف بعض الدعاوى، فيوجد استثناءات على التكاليف، ومن ذلك: الدعاوى الجزائية العامة، والدعاوى والطلبات الإدارية والتي غالبا ما تكون الجهات الحكومية طرفا فيها، والدعاوى والطلبات التي تختص بها محاكم الأحوال الشخصية أو المتعلقة بدعاوى قسمة التركات عدا طلب النقض وطلب التماس إعادة النظر، والدعاوى والطلبات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام الإفلاس، وكذلك استثنيت بعض فئات المجتمع من فرض التكاليف القضائية مثل: المسجونين والموقوفين وقت استحقاق التكاليف القضائية في قضايا مالية غير جنائية، والعمال المشمولين بنظام العمل والمستثنين منه بموجب المادة 8 من نظام العمل متى كانت المطالبة ناشئة عن عقود عملهم.

من الملفت أن النظام وضع تكاليف قضائية إضافية على التكلفة الأساسية في بعض الحالات، ومنها عند الحكم بشطب الدعوى ويكون ذلك عند التخلف عن حضور جلسات الدعوى أو إذا لم تقبل الدعوى لعدم تحريرها، وتفرض هذه التكلفة الإضافية عند رفع الدعوى مجددا ويحتسب المبلغ الإضافي بملغ يعادل 25% من قيمة التكاليف القضائية عند نظر الدعوى في المرة الأولى، وخير فعل المشرع بذلك، إذ إن تحرير الدعوى أو الحالات التي يرد عليها الشطب تعتبر من المسائل الشكلية الأبجدية في التقاضي، والتي لا يصح فيها تخلف أو تقصير المدعي، ويعد ذلك مكلفا ومشغلا للقضاء؛ مما يستوجب أن يتحمل هذا المقصر مزيد تكاليف على إشغاله للقضاء، وكنتيجة لهذه التكاليف الإضافية من المتوقع أن تزيد الحاجة لوجود محامين محترفين ومتخصصين في التقاضي لمعرفتهم بأساسيات الترافع والمسائل الشكلية وإلا سيتحمل المتقاضين تكاليف إضافية.

وضع النظام تكلفة خاصة على دعاوى بطلان حكم التحكيم - والتي تقام أمام محكمة الاستئناف المختصة أصلا بنظر النزاع – وبمبلغ 1% من قيمة المبلغ المحكوم به على مدعي البطلان عند رفض طلبه وبحد أعلى مليون ريال، ونعتقد أن ذلك سيسهم في سرعة إصدار أوامر تنفيذ أحكام التحكيم فأكثر ما يؤخر الأمر بالتنفيذ هو دعوى بطلان حكم التحكيم، ونتوقع أن تقل دعاوى بطلان حكم التحكيم، لأن حالات البطلان محصورة، وقد يصعب انطباقها في كثير من الأحيان، ولا يسعى من صدر عليه حكم تحكيمي لإبطاله إذا كان ذلك سيحمله مزيد تكلفة.

وبالحديث عن التحكيم نعتقد أنه سيكون له حضور أكثر من السابق وكذلك الحال لبدائل تسوية النزاعات مثل التسوية والوساطة والتوفيق؛ إذ إن القضاء سابقا كان مما يميزه مجانيته، أما والآن فقد يُفكر المتقاضين بحلول بديلة لتسوية النزاعات لتجنب التكاليف أو تقليلها وبالشكل المرن الذي لا يوفره القضاء.

بل إن النظام يحفز للصلح أمام القضاء، فيمكن أن ترد التكاليف القضائية المدفوعة متى انتهت بالصلح قبل رفع الجلسة الأولى، وقد تخفض التكاليف القضائية إلى الربع في حالة انتهاء الدعوى بالصلح في مرحلة ما بعد انتهاء الجلسة الأولى وقبل صدور الحكم.

أخيرا، أحال النظام لكثير من أحكامه المتعلقة بالمسائل الإجرائية والتفصيلية لتحديد التكاليف القضائية ونحوها للائحة التنفيذية للنظام والتي ستصدر بقرار من مجلس الوزراء، ويدخل النظام حيز النفاذ بتاريخ 16/03/2022م، ويتوقع أنه سيحدث نقلة نوعية في المجال العدلي عموما وفي مجال التقاضي وتسوية النزاعات خصوصا، ومتوقع أنه سيعيد تشكيل كثير من المفاهيم في المملكة، وقد يعزز من دور المحامين المحترفين.

@aleisaHamed