طامي الشمراني

رواية شاهندة.. الملامح الفنية للسرد الريادي

الخميس - 30 يونيو 2022

Thu - 30 Jun 2022

لعل أبرز ما يميز رواية «شاهندة» للروائي الإماراتي راشد عبدالله النعيمي، وهو وزير الخارجية الأسبق لدولة الإمارات، أنها مهدت الطريق لظهور السرد الروائي في دولة الإمارات الشقيقة، وربما تقتضي النظرة النقدية المنصفة النظر إلى هذه الرواية في سياقها التاريخي الذي أنتجت فيه، وهو بداية السبعينيات من القرن المنصرم، إذ كانت هذه الرواية سباقة على صعيد ارتياد هذا النمط السردي في الإمارات العربية المتحدة، فكانت الرواية الفنية الأولى، ولو نظرنا إلى البنية الفنية للرواية لوجدناها تحقق كثيرا من الشروط الفنية بجودة عالية.

كما أن الرواية حققت ريادة من نوع خاص قلما التفت إليه النقاد الذين تناولوا الرواية بالدرس، وهو ما يتمثل بالعنوان: «شاهندة»، فالرواية هي رواية البطل الذي تدور حوله الأحداث، وهي هنا شخصية أنثوية، ففي حين لم تحفل الرواية الخليجية بالشخصيات الأنثوية، إذ غالبا ما كان حضورها السردي هو حضور مكمل للشخصيات الرئيسة، فإننا هنا نجد احتفاء الروائي بشخصية أنثوية هي محور الأحداث، وبؤرة انطلاقها، إذ نلحظ السرد يلاحق تطوراتها وانتقالاتها، وكل ما عدا ذلك هو تابع لها.

تقوم الرواية على السرد المنطقي المتتابع للأحداث، حين تقذف الرياح قارب عائلة الطفلة شاهندة ذات الأربع سنوات إلى جزيرة غير مأهولة مع والدها شداد وأمها حليمة ليصبحوا أعظم صيد لسالم الذي تشاء المصادفة أن يكون على تلك الجزيرة لتصبح العائلة صيدا ثمينا، فأصبحوا يباعون في سوق النخاسة، ليصبحوا ملكا لتاجر قرية الحيرة الطيب، ومع تقدم الزمن وتبرعم أنوثة شاهندة تصبح مركز اهتمام شباب القرية، وتتعرض للغدر من محمود الذي يرفض الزواج منها بعد أن مكنته من نفسها، وهنا يتصاعد عندما يتهمها محمود بالفجور والغواية ليتولد شعور الانتقام لديها، لا سيما بعد أن باعها التاجر إلى أحد النخاسين الذي يعجب بها وتصبح زوجته، ولكن الخيانة التي تعرضت لها من زوجها تجعلها تتمرد عليه، ليكون مصيرها خسارة زوجها وأن ترمى بالصحراء لتموت من العطش، وبذلك تتدخل المصادفة مرة أخرى لينقذها من الموت مجموعة من الشبان في رحلة صيد، وهنا سيكون التحول في شخصية البطلة، إذ ستنتقل معهم إلى إحدى المدن، لتدخل في حياة جديدة، بدخولها قصر السلطان لتصبح وصيفة للملكة ثم زوجة للسلطان، وهنا تبدأ عقدة الرواية بالحل عبر انتقام شاهندة ممن خانها، مما يسبب لها الانهيار عندما تشعر أنها قتلت روحها بانتقامها.

إننا أمام حكاية شعبية تمازج فيها الواقعي بالغرائبي، تنطلق من أمكنة غير مسماة، وإن سميت فهي أمكنة افتراضية، لكن لا شك أنها قريبة من الصحراء، تهدف إلى إنجاز مقولات على حساب فرضيات الأماكن، ولعلها تبرز واقع الفقر المدقع، وظاهرة النخاسة التي تخلص منها المجتمع المعاصر، وفكرة الصراع بين قيم الخير والجمال التي تحملها الشخصية الرئيسة وفكرة الانتقام.

إنها الثنائية الضدية التي تحكم السرد، وتسير الأحداث، وفي ظلال هذه الثنائية العامة تحضر المفارقة عندما تحمل الشخصية الصفة ونقيضها، فالبطلة على قدر كبير من الجمال، وهي في الوقت ذاته على درجة كبيرة من القبح يوازي الجمال عندما يكون الانتقام هو العنوان، كما يتمظهر القبح في صور عدة لعل أبرزها مقولة الافتراس، فالجمال الذي تتمتع به شخصية شاهندة جعل من الذئاب البشرية لا تفكر إلا بافتراسها.

لا شك أن صراع القيم وتناقضها كان من مقولات الرواية المضمرة حينا والظاهرة حينا آخر، اعتمدت الرواية على السرد المتتابع المنطقي الذي تفضي مقدماته إلى نهايته، مع سيطرة عنصري الحوار بنوعيه، الحوار مع الشخصيات الأخرى، والحوار الداخلي، عندما تناجي الشخصية ذاتها، وقد أسهم هذان النمطان من الحوار في كشف أعماق الشخصيات، وما تفكر به، دعم كل ذلك تقنية الوصف التي سيطرت في مواضع عدة على الراوي لتظهر لنا جماليات المكان وتفاصيله أحيانا وبؤسه أحيانا أخرى.

@tamidghilib1404