شاهر النهاري

الإنسان المحفوف بأوراق الملفوف

الاثنين - 27 يونيو 2022

Mon - 27 Jun 2022

ثمرة الملفوف، تدور أوراقها المتراكبة حول برعم الزهرة الأصلي، ودعونا نتخيل زهرة الوسط تمثل بدايات طفولة كل إنسان، وهو محاط بكل تلك الحلقات، التي لا يدرك تعدادها، ولا أسرارها، ولا تفتقها من ضيقها.

اللفة الأولى هي ذاته، غرائزه، وشعوره بأنه مركز الكون، واللفة الثانية تمثل علاقاته بأقرب الناس إليه، من أسرة تعتني به، وهو بكامل اخضرار سعادته يستمتع بدفء مشاعرهم، وعنايتهم، وتلقينهم، وثقته بأنهم نعمة حياته الجميلة اليانعة المكتملة، أو ربما عكس ذلك.

الثالثة هي طموحاته، وقدرات اعتماده على الذات، والتفكر، ومزاولة رسم خرائط حياته، التي ربما يحبها ويقدسها، وربما يبغضها ويسعى لتغييرها، أو يرفض إكمال مشاويرها، أو أنه يبدع ويمعن بالتقشر، والتجدد، ليقترب من الكمال والسعادة، والرضا والعطاء، بخطوات راضية بحياته المستقبلية، أو عكس ذلك.

وتليها لفة تنامي تحصيله من استقراء الحياة، بدراسته وعمله، وتجاربه، وتمكنه من البناء الفكري السليم، بعقلية طموحة، وضمير حي، ومشاركات فاعلة وسط أسرته الجديدة، والمجتمع، وربما لا.

وبعدها لفة المعتقد، لحل طلاسم الحياة، والتعمق أكثر في قيمة أفعاله، وعلاقاته بالمجتمع والكون، وتفهم أسرار وجوده على الأرض، وتأكيد علاقاته بالإيمان الأعمى بالغيبيات، أو بتمرد جامح بالشك، والبحث في معتقدات بعيدة، والتأرجح بين التبعية التامة، أو التمرد والنكث، وامتطاء جماح التفكر ذهابا وعودة، والتبحر في صنع الصورة الثابتة، أو المهزوزة لجدوى معتقدات حياته، ومماته.

وتأتي اللفة بعدها، والمختصة بالسياسة، تحكمه، وحقوقه الجلية، وبما يترتب على ذلك من نظريات وخصوصية وربما عنصرية وتسلط، ووجود حرية من عدمها، وتنعم بالسلام ضمن تتبع الأنظمة، أو عدم اقتناع بما صنعه البشر فيها، فيعيش رافضا متمردا، أو مجبرا على التدخل، أو هاربا من وطنه، إلى لفة بعيدة، قد يجد فيها مبتغاه من حريات ووعي ومشاركة سياسية، وإمكانيات التطبيق الفعلي على لفة الواقع، أو بنهاية تشرنق وبلوغ جفاف اللفة.

وتليها لفة علاقاته مع الطبيعة والبيئة والفلك، والتراث، والنظريات العلمية، والفنون، والكائنات، وقناعاته وأدواره المسؤولة في فهمها ومحبتها، وتوطينها والمحافظة على أجزائها، كما حافظ على زهرته الأولى، أو تهميشها، وتهوره، وتطفله عليها، كوحش خرافي خالع مجرف ملوث هادم حارق، لا يقف عند وازع ضمير، وينفذ طمع يومه لآخر قطرة، غير ناظر للغد.

وتتعدد اللفات وتختلف، وتتسع لتبلغ لفة ضمير إنسانيته، وربما ينطوي للداخل يابسا، أو يجد ذاته متضخمة، تفوق الحدود، فيؤمن بالإنسانية، ويشعر بهموم وأفراح كل إنسان على وجه الأرض، وهو يصطف معه لنيل حقوقه البدائية والأساسية، وحريته الفكرية والمكانية دون عنصريات ودون تهميش أو ظلم.

هذه لفة الإشراف والتنوير والرؤية الإنسانية، ودليل جدارة تخطي اللفات السابقة، بتكامله مع حريات وحقوق الإنسان، التي تؤمن بها وتكفلها كل عقلية تنويرية، وضمير نقي صالح، ولا ينكرها إلا مريض ناقص تجمدت مشاعره وإنسانيته عند لفة أدنى، فتخلى عن آفاق طموحات ضميره وعقله، ولم يعد يهتم، معتقدا أنه قد بلغ أزهى القمم، وهو لا يعدو ورقة صفراء يابسة محصورة في الضيق، لا تنمو ولا تتبرعم، ولا تسمح لذاتها بمزيد من تشارك أنفاس الحرية، ولا الاستمتاع بحياته وجدواها، كونها تصبح عقيمة لا تعي ولا تؤثر ولا تنتج غير كآبة وجنون وعفن صاحبها.

shaheralnahari@