كتاب الرأي.. الأثر والتأثير
السبت - 25 يونيو 2022
Sat - 25 Jun 2022
المتنبي يقول في أحد أبياته الشهيرة (الرأي قبل شجاعة الشجعان، هو أول وهي المحل الثاني)، والرأي عند شوقي يجسده ذلك الموقف الصلب في الحياة، الذي ينبغي على الإنسان الدفاع عنه، فيقول (قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد). أردت من خلال هذين البيتين أن يكونا مدخلا لفكرتي؛ وهي كتابة الرأي وكتابها في صحفنا العربية، ظروفها، متغيراتها وأبعاد تأثيرها، كون هؤلاء الكتاب يفترض فيهم أن يكونوا صفوة المجتمع وأكثرهم قدرة على فهم الواقع وإرهاصاته وتداعيات أحداثه.
إن تعدد منابر الرأي وقدرة الكثيرين على النشر وليس الكتابة، أسهم كل ذلك في تقليص مساحة تأثير كتاب الرأي في عالمنا العربي، وأضحى حضورهم يختصر في مشاغلهم ومشاعرهم وربما صراعاتهم مع الحياة، فكاتب الرأي التقليدي لم يعد قادرا على الاستئثار بالأضواء وإعادة تسليطها على الزوايا المظلمة كما كان في السابق، والسلطة أيا كان نوعها لم تعد تكترث لما يكتبه هؤلاء في ظل الثورة المعلوماتية التي صاحبت تطور وسائل التواصل الاجتماعي، فكاتب الرأي -إن كان ما يكتبه رأيا- يظل أسيرا لتقليدية خبا نورها ولم تعد قادرة على تحريك ساكن أو تثبيت متحرك.
كاتب الرأي العربي يعيش أزمة حقيقية مع نفسه والمجتمع؛ مع قلمه واستقلاليته وما ينبغي أن يكون عليه من صلابة ومرونة وقدرة على استشراف المستقبل والتنبؤ بأحواله ومتغيراته، فالكاتب العربي في ظل عزله وعزلته وتضاؤل أهميته، لم يعد قادرا على ترتيب أولويات واقعه، ناهيك عن الكتابة عن المستقبل القادم القريب. بعض الكتاب يعزو هذا إلى هامش الحرية الذي يضيق يوما بعد يوم، والبعض الآخر -وأنا منهم- يرى أن الكتابة لم تعد مؤثرة في الناس كما كانت في عهد الصحف الورقية وأساليبها القديمة.
والسؤال المهم، إلى أين تتجه كتابة الرأي في عالمنا العربي، وما هو مستقبلها في ظل كل هذه المتغيرات؟ والجواب صعب والتنبؤ بمستقبل هذا النوع من الكتابة يكاد يكون أصعب وأكثر تعقيدا، فالمتلقي العربي لم يعد يستسيغ المقالات الطويلة، وقبل ذلك وسائل التواصل المرئية تكاد أن تلغي مساحات التأثير التي كانت تستعمرها الكتابة في أذهان الناس، فمقال رأي من 300 كلمة يستطيع فيديو مسجل أن يختزل هذه الكلمات ويختصرها في دقيقة أو دقيقتين، وهذا ما جعل بعض كتاب الرأي يتجهون إلى YouTube لنشر أفكارهم والصدح بآرائهم بطرق تناسب المتلقي الذي يبحث عن زبدة الزبدة وليس الهدر ولا الهذر الذي يصاحب تلك الكلمات في الصفحات التقليدية.
كتابة الرأي تعتمد على المعلومة وفي السياسة -مثلا- يظل الكاتب العربي المهتم بها كالأطرش في الزفة كما يقال، فمصادره ضعيفة، ومعلوماته شحيحة ومع ذلك تجده يكتب في السياسة وكأنه من دهاتها وصناعها، وعندما تأخذه الحماسة فإنه يصدق نفسه ويظن أنه قادر على كتابة رأي يلفت الأنظار إليه ككاتب قل نظيره، وهو في الحقيقة مجرد راو في أحسن أحواله وظروف تصنيفاته، كونه يأخذ من هنا وهناك ويعيد تدويره في تلك المساحات ليصبح رأيا يقرأه الناس، لكنه في الحقيقة ليس رأيا هو مجرد سفسطة كلامية لا ترقى لتكون رأيا يسبق الشجاعة كما قال المتنبي، ولا موقفا عقلانيا ينبغي الدفاع عنه كما قال شوقي في داليته المشهورة.
alaseery2@
إن تعدد منابر الرأي وقدرة الكثيرين على النشر وليس الكتابة، أسهم كل ذلك في تقليص مساحة تأثير كتاب الرأي في عالمنا العربي، وأضحى حضورهم يختصر في مشاغلهم ومشاعرهم وربما صراعاتهم مع الحياة، فكاتب الرأي التقليدي لم يعد قادرا على الاستئثار بالأضواء وإعادة تسليطها على الزوايا المظلمة كما كان في السابق، والسلطة أيا كان نوعها لم تعد تكترث لما يكتبه هؤلاء في ظل الثورة المعلوماتية التي صاحبت تطور وسائل التواصل الاجتماعي، فكاتب الرأي -إن كان ما يكتبه رأيا- يظل أسيرا لتقليدية خبا نورها ولم تعد قادرة على تحريك ساكن أو تثبيت متحرك.
كاتب الرأي العربي يعيش أزمة حقيقية مع نفسه والمجتمع؛ مع قلمه واستقلاليته وما ينبغي أن يكون عليه من صلابة ومرونة وقدرة على استشراف المستقبل والتنبؤ بأحواله ومتغيراته، فالكاتب العربي في ظل عزله وعزلته وتضاؤل أهميته، لم يعد قادرا على ترتيب أولويات واقعه، ناهيك عن الكتابة عن المستقبل القادم القريب. بعض الكتاب يعزو هذا إلى هامش الحرية الذي يضيق يوما بعد يوم، والبعض الآخر -وأنا منهم- يرى أن الكتابة لم تعد مؤثرة في الناس كما كانت في عهد الصحف الورقية وأساليبها القديمة.
والسؤال المهم، إلى أين تتجه كتابة الرأي في عالمنا العربي، وما هو مستقبلها في ظل كل هذه المتغيرات؟ والجواب صعب والتنبؤ بمستقبل هذا النوع من الكتابة يكاد يكون أصعب وأكثر تعقيدا، فالمتلقي العربي لم يعد يستسيغ المقالات الطويلة، وقبل ذلك وسائل التواصل المرئية تكاد أن تلغي مساحات التأثير التي كانت تستعمرها الكتابة في أذهان الناس، فمقال رأي من 300 كلمة يستطيع فيديو مسجل أن يختزل هذه الكلمات ويختصرها في دقيقة أو دقيقتين، وهذا ما جعل بعض كتاب الرأي يتجهون إلى YouTube لنشر أفكارهم والصدح بآرائهم بطرق تناسب المتلقي الذي يبحث عن زبدة الزبدة وليس الهدر ولا الهذر الذي يصاحب تلك الكلمات في الصفحات التقليدية.
كتابة الرأي تعتمد على المعلومة وفي السياسة -مثلا- يظل الكاتب العربي المهتم بها كالأطرش في الزفة كما يقال، فمصادره ضعيفة، ومعلوماته شحيحة ومع ذلك تجده يكتب في السياسة وكأنه من دهاتها وصناعها، وعندما تأخذه الحماسة فإنه يصدق نفسه ويظن أنه قادر على كتابة رأي يلفت الأنظار إليه ككاتب قل نظيره، وهو في الحقيقة مجرد راو في أحسن أحواله وظروف تصنيفاته، كونه يأخذ من هنا وهناك ويعيد تدويره في تلك المساحات ليصبح رأيا يقرأه الناس، لكنه في الحقيقة ليس رأيا هو مجرد سفسطة كلامية لا ترقى لتكون رأيا يسبق الشجاعة كما قال المتنبي، ولا موقفا عقلانيا ينبغي الدفاع عنه كما قال شوقي في داليته المشهورة.
alaseery2@