عبدالحليم البراك

«الطريق إلى أيثاكا، أجمل من أيثاكا نفسها!»

الاثنين - 20 يونيو 2022

Mon - 20 Jun 2022

إن الطريق إلى أيثيكا، أجمل من أيثاكا نفسها، هكذا هي نظرة المتفائل للحياة، الذي يرى في كل لحظة شيئا مختلفا؛ لذلك «عندما تتهيأ للرحيل إلى أيثاكا، «تمنّ أن يكون الطريق طويلا» فروح المسافر العادي، هو ذلك الذي يشد رحاله بقوة بهدف الوصول السريع، بينما الرحال «غير العادي» يستوي لديه الطريق وآخر الرحلة؛ لأن كليهما متعة، بل إنه يصل به الأمر إلى أن يتمنى أن يطول الطريق إلى «أيثاكا»!

«تمنّ أن يكون الطريق طويلا»؛ لأنك لا ترى في صباح اليوم صباحا مكررا، ففيه صباحات الصيف وصباحات الخريف وصباحات الشتاء، بل إن الصيف نفسه لا تتشابه صباحاته؛ بل تمن «أن تكون صباحات الصيف عديدة «وأنت في الطريق إلى «أيثاكا»، والحكيم العاقل يرى في كل يوم جديد يوما آخر مختلفا، حتى يرى في الصيف ودرجات الحرارة، شيئا جميلا لا يخطر على بال فتخرج له نباتات - حيوانات - حشرات، لم تر في الشتاءات القاسية فإن ثمة متعة لا ترى إلا في الطريق إلى «أيثاكا»!

«وبسحر روح الفنان في داخلك... لتكن «أيثاكا» في روحك دائما، الوصول إليها قدرك، لكن لا تتعجل انتهاء الرحلة» فالسائح التقليدي يرى في الطريق إلى «أيثاكا» متعة جميلة لكنها لا تتجاوز متعة النظر والتأمل ساعة ببلاهة، أما رحلة السائح الفنان، فإنه يتأمل الطريق ساعات وساعات حتى يصبح الطريق إلى «أيثاكا» أجمل من «أيثاكا» نفسها، فهو يتأمل اختلاف اللون الأخضر في ريقات شجرة واحدة؛ كيف اصطفت بتناسق غريب، بديع لا ترى تفاصيله إلا روح الفنان، ويتأمل -الفنان نفسه- تخشيبة الجذع النباتي الممتد من سطح الأرض حتى أفق الشجرة كيف استجاب بتدرج تعرجاته لموجات الهواء التي تأتي من الشرق، أو تدرح اللون السماوي ما بين السماء القريبة والأفق البعيد حتى يكاد اللون يختفي ويتحول للبياض الذي لا يشبه شيء، وربما مملوءً بالسحب التي قد تكون تقذف بمائها الماطر على أيثاكا البعيدة، أما اصطفاف الأشياء في المنظر فهي حكاية أخرى لا يراها إلا الفنان الذي يستمتع في الطريق إلى «أيثاكا» أكثر من متعته بشغف الوصول إليها!

«أيثاكا منحتك الرحلة الجميلة، لولاها ما كنت شددت الرحال، وليس لديها ما تمنحك إياه أكثر من ذلك» ما تفتقده أيثاكا هي الصورة الوردية التي نعتقد أنها تمنحنا كل شيء، إن ما تمنحنا إياه أيثاكا هو الرحلة فقط، وعليك أن تصنع متعتك الباقية بنفسك، بروح الفنان ساعة، وروح المتأمل ساعة، وروح الفيلسوف ساعة أخرى، وروح الصامت في أوقات مختلفة، حتى إذا استنفدت كل حالاتك الروحية المختلفة تكون وصلت أيثاكا وتمنيت أنك لم تصل إليها لأن الرحلة إليها كانت بمتعة لا تقل عنها!

هذه الكلمات المضمنة ما بين مزدوجتين، جزء من قصيدة الإغريقي الشاعر قسطنطين كفايسيس في قصيدة «أيثاكا»

والمؤكد هو: «مادمت قد صرت حكيما، حائزا كل هذه الخبرة، فلا ريب أنك قد فهمت ما تعنيه الايثاكات.»

Halemalbaarrak@