باسم سلامه القليطي

زاحموا التفاهة بالقراءة

الخميس - 16 يونيو 2022

Thu - 16 Jun 2022

يقام في مدينتي الغالية (المدينة المنورة) هذه الأيام بعد طول غياب عن القراء والمحبين، معرض للكتاب ستنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، ومما يثلج الصدر، ويفرح القلب، تلك المزاحمة في معارض الكتاب، وذلك التسابق في المكتبات، لاقتناء الإصدارات الحديثة المتميزة، أو تلك القديمة المتجددة، لكن المؤسف في الأمر، أن هذه البشارات المفرحة، غير كافية لتزاحم حجم التفاهة الطاغي على منصات التواصل والحياة، وتحتاج جهودا مضاعفة، وحلولا مرادفة، لأن الجانب الآخر من الصورة، مظلم وموحش، وفئة كبيرة من الناس أصبحت تحتفي بالسطحية، وتتغنى بالتفاهة، فهي تقدم لهم بصورة مجانية (ثمينة)، فالثمن: عقول تشوهت، وأوقات تبددت، وعزائم تحطمت، يقول الكاتب (آلان دونو) في كتابه (نظام التفاهة): «ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر. معا يدعم التافهون بعضهم بعضا، فيرفع كل منهم الآخر».

قبل شهور شاهدت وغيري من المهتمين بالشأن المعرفي ذلك العرس الثقافي المسمى: معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022، وشاهدنا بغبطة تلك الهيئات الحكومية، وهي تقدم الكتب بطبعات مختلفة، وبأسعار شبه مجانية، دعما للكتاب والقراءة، وتشجيعا للوعي والثقافة، فنجد مثلا سلسلة (الألف كتاب) من الهيئة المصرية العامة للكتاب، وسلسلة (إنسانيات) وسلسلة (الثقافة العلمية) من مكتبة الأسرة، وسلسلة (روائع المسرح العالمي) وسلسلة (الثقافة العلمية) وسلسلة (المائة كتاب) من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وسلسلة (الجوائز العالمية) من المركز القومي للترجمة، والذي يقدم خصم 50% للطلاب، ومكتبة مصر التي تقدم أهم أعمال الكتّاب العرب بأسعار زهيدة، وغيرها الكثير من السلاسل الجميلة، والأسعار المغرية، التي تتنافس هذه الجهات وغيرها على تقديمها للقارئ الكريم.

نريد دورا فاعلا من وزارة الثقافة، نريد دعما وتوجيها من وزارة التعليم، نريد تشجيعا من وزارة الرياضة، نريد إضافة من هيئة الترفيه (فالقراءة بها جانب ترفيهي كبير، لمن أحسن استثماره، وأبدع في تقديمه)، نريد أن نلمس ونشاهد دور التجار ورواد الأعمال، في دعم القراءة والكتاب، في اليوم العالمي للكتاب، واليوم العالمي للقراءة، واليوم العالمي للغة العربية. يقول الدكتور عبدالكريم بكار: «لا شك أن الكتاب ما يزال أفضل مصدر للتثقيف وإغناء الثروة المعلوماتية لدى الإنسان، وما زالت القراءة الجادة والمنظمة والعميقة، أفضل مورد لبناء ثقافة شخصية واعية ومتخصصة وراقية».

هذه المُبادرات الثقافية، والإبداعات المعرفية، تؤتي ثمارها من حيث لا تدري، وقد يتجاوز تأثيرها حدود القارئ والكتاب، إلى تحديد مسار كاتب كبير، كما حدث مع العراب (أحمد خالد توفيق) رحمه الله عندما كتب في إحدى مقالاته، واصفا إحدى الروايات: «هذا الكتاب يحتل موضعا مهما في روحي؛ لأنه أول ما قرأت «لستيفن كنج»، وكنت أعمل وقتها في المملكة العربية السعودية.

اشتريت هذه الرواية الإنجليزية وقرأتها في شغف، فقد جعلتني غائبا عن العالم لعدة أيام. كنت أنتظر لحظة العودة للبيت لأمارس لذتي الوحيدة: استكمال القصة، وقهرت شعوري بالوحدة والغربة، قلت لنفسي إن هذا كاتب بارع يملك حيوية غير عادية، كانت الكتب غالية، فاعتدت أن أقصد سوبرماركت (ميد) المجاور للبيت، فأبتاع شطيرة وكوب عصير – ليسمح لي بالجلوس – ثم آخذ رواية من على الرف، وأجلس في هواء التكييف، وأطالع جزءا كل يوم، ولم يكن أحد يمنعني أو يعترض. هكذا قرأت في سوبرماركت (ميد) (كريستين) و(هو) و(تألق) و(كاري)... إلخ. عندما عدت لمصر رأيت مساري محفورا على الرمال؛ أدب الرعب».

بين ما نعيشه في حياتنا الثقافية وبين ما نتمناه مسافة عظيمة، لكي نجتازها نحتاج لطائرة التحفيز، وجناحي الدعم والتشجيع، مدفوعة بمراوح الإبداع والابتكار، وهذه الطائرات، لا تستطيع توفيرها سوى جهات حكومية قوية، حتى نستطيع أن نزاحم التفاهة بالقراءة.