شاهر النهاري

أسواق ومؤشرات الوسطية الإسلامية

الاثنين - 13 يونيو 2022

Mon - 13 Jun 2022

منذ بدايات الإسلام، ومرورا بمختلف ولاياته الممتدة من الصين شرقا إلى الأندلس غربا، لم تكن قيم الوسطية ثابتة عند من يطبقونها، ولا عند من تطبق عليهم، فترتفع مؤشراتها مرات لقيم السماحة العظمى، وتنخفض كثيرا لمنتهى العسر والدموية.

وفي عصرنا هذا تضاعفت وتشعبت، وتناقضت المؤشرات أكثر فأكثر، وبانشطار جنوني، رغم سرعة وسهولة التنقل، وتعاظم التقنية، فنجد مؤشرات وسطية كل دولة خليجية، ليست ذاتها الموجودة في الأخريات ولا في اليمن أو الصومال، وما يظهر منها في مصر، بعيد كل البعد عن وسطية دول الشام، وتتنوع مؤشراتها بين دول أفريقيا، وفي أفغانستان تختلف عن باكستان، وتتباين في إندونيسيا عن ماليزيا، وفي إيران تتعارض المؤشرات كليا مع تركيا، ومع أذربيجان، والبوسنا، بفوضى لا يتفق فيها مؤشران، وكل يدعي أنه الأمثل لوسطية إسلامية حقة.

المنظمات والمراكز الإسلامية، والجامعات ومراكز البحوث، وتجمعات الجاليات المسلمة في الخارج، تمتلك أنواعا متناقضة من مؤشرات الوسطية، بفروق تدعو للعجب، من قدرة كل جهة على استخدام الآيات القرآنية والأحاديث المنتقاة لإثبات صحة مؤشراتهم وتبيان الخلل في قراءات الآخرين.

السياسة الداخلية لكل دولة إسلامية تتبنى مؤشرات وقتية تقتضيها مصالحها، فترتفع أوقات الشراء وتنخفض عند البيع، وتنفي من تكره، وتقرب من تحتاج، وتتلون وتتماهى مع متطلبات المنظمات الحقوقية، ومع الدول العظمى، لإثبات صفاء النهج ووسطيته.

قيادات المذاهب والفرق والمدارس المتسامحة المتطورة لهم مؤشرات أنيقة يصنعونها، ويلمعونها، متفردين في القول والفعل، وبما يتعارض مع التراث.

منظمة القاعدة الإرهابية لها مؤشر تدعي موافقته لوسطية الإسلام السلفي، ولداعش وبوكو حرام، وطالبان، والإخوان المسلمين مؤشراتها المتفردة في الفهم والتطبيق.

أحزاب وميليشيات الشيعة المسلحة تحرق الوجود بمؤشرات وسطيتها، المتناقضة حتى مع تفرعاتها.

شيوخ ومراجع وعلماء الحوار مع الأديان، لهم مؤشرات متعددة ذات واجهات خارجية متسامحة، كون السياسة العالمية الحقوقية تقف بالمرصاد لأي تشدد، فيتبنون السلام والحب، وينفون العنصرية، والعنف، أثناء عقد مؤتمرات خارج دولهم المسلمة، ولكنهم وبمجرد عودتهم يستعيدون قيمة مؤشراتهم المحلية، ليقنعوا طلبتهم في المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية، بجدوى التقية عند سلطان المنظمات الحقوقية الظالم!

الكل يدعي نقاء مؤشر وسطيته، حتى ولو لم يتفق عليها أغلبية المسلمين، والشعوب المسلمة مسيرة تصم آذانها، وترضى بما يفرضه عليهم تعنت محيطهم طلبا للعيش بسلام.

وقد يذهب بعض أصحاب الوعي للبحث العلمي المنطقي في المراجع، بما سهلته وسائل التقنية العصرية من حرية فكر ومقارنة وطرح الأسئلة، واكتشاف أكوام التناقضات والاختلالات، التي يعيشون هلاميتها المدعية للوسطية، وكم يحاولون الوقوف بوعي أمام الجهات المخولة بتحديد منابع الوسطية ومساحاتها، وسقوفها، وظروفها، متأملين بتوحد وتثبيت لنقاط التوافق أو التناقض بين المؤشرات المتبدلة، ولكنهم يصطدمون مع تحكم الظروف السياسية المشعلة للتناقض.

وسطية مزعومة تُصنع ويروج لها بكل وسيلة، والتوافق غالبا لا يحدث، لعدم وجود الجهة المركزية الموثوقة المنفتحة المحايدة المخولة من الجميع بتحديد حقيقة مناطق الوسط، ما يعاظم الخلاف والتشظي ويُضَيق مجالات المنطق، ويعطل التكاشف وحلحلة الخلل، وجدوى إعادة البناء الفكري بمنطوق عقلاني حديث موحد، يوازن بين القول والفعل، وبين الأصل والفروع، ثم التخلص من فردانية أثبتت أنه: لا يمدح السوق إلا من ربح.

shaheralnahari@