علي الحجي

العقد النفسية

الخميس - 09 يونيو 2022

Thu - 09 Jun 2022

الحياة مليئة بالمتضادات والمتناقضات، كذلك البشر، الانبساطي والانطوائي، والمبادر والمتردد، والسلبي والإيجابي. فالبعض تؤثر به ظروف الحياة دون أن يؤثر بها، وآخر يأبى إلا أن يترك بصمته في الحياة.

السلبيون والانسحابيون غالبا لديهم مركب نقص أو عقدة نقص سببت لهم إحساسا بالدونية والضعف. من أسبابها وجود قصور أو نقص عضوي أو اجتماعي يجعل الفرد عرضة للمضايقات في ظل غياب الدعم، ثم الشعور بالخزي أوالنقص مع انخفاض تقدير الذات، كما يلعب التفاوت وعدم التناغم بين القدرات الحقيقية والتطلعات الشخصية والعائلية دورا هاما في الإحباط، يؤدي بدوره لشعور عام بعدم الكفاءة.

وتختلف درجة شدة وتعقيد المركب باختلاف عمق وزمن ودرجة الشعور بالأذى النفسي ودرجة تمكنه، كما تختلف باختلاف درجة الصلابة النفسية للفرد.

وتختلف مظاهر عقدة النقص من شخص لآخر؛ فالبعض تظهر لديهم على شكل سلوك تجنبي كانطواء وتواري وعزلة وشعور بالنبذ والعجز والخجل وتقليل من قيمة الذات وتلاشي الثقة بالنفس؛ فيؤمن بنقصه وأن الناس على حق في الاستهانة به؛ فينجرف لسلوكيات سلبية للتكيف معها، كتعاطي المخدرات أو التبعية للآخرين، بينما قد يسلك آخرين سلوك التبجح والاقتحام والسطحية والغرور وفرض الذات كما في المتنمرين والمجرمين، فلا يهتمون إلا بمتعهم الخاصة بغض النظر عن مصير الآخرين واحتياجاتهم، أو يتلذذون بالنقد الهدام وتحقير كل شيء، نقد للهدم والإساءة فقط، وآخرون تجدهم متأرجحين بين الانقباض والانبساط والفرح والحزن بسبب حالة الاضطراب التي يعيشونها.

المشكلة ليست في تفاوت القدرات فهذا أمر طبيعي، بل في ردود الفعل غير الصحية تجاهها، فهناك من يتعرف على قدراته ويطورها ويوظفها في المكان المناسب، فيتكيف ويستقر ويتطور، في حين آخر لا يبحث في ذاته ولا يطورها، فيتأثر سلوكه وتنخفض إنتاجيته وتضطرب نفسه.

وللتعامل مع عقدة النقص لابد أن نفصلها إلى جزأين:

الأول: الإحساس بالنقص، وتتم معالجته باستخدام التعويض، وذلك بالحصول على مزايا وفضائل حقيقية تجلب التقدير والاهتمام من الداخل والخارج، كتنمية مواهبه التي تمكنه من تحقيق منجزات حقيقية تجعله يقدر نفسه ويقدره الآخرين.

الثاني: كبت المشاعر، وتتم معالجته باستخدام التنفيس، فيتعرف على مشاعره ويخرجها كما هي، كالحديث مع شخص يثق به وبقدراته، أو كتابة المشاعر بالتفصيل، وهو كفيل بتبديد الكبت الذي كان عاملا هاما في تضخيم الشعور البسيط بالنقص وجعله عقدة.

أما لو كانت عقدة النقص بسبب مشكلة عضوية ظاهرة، فالحل بتقبل الواقع كما هو، ورؤية الجوانب الإيجابية فيه، ومقابلة الواقع بشجاعة بدل الشعور بالخزي والتضاؤل أمام النفس والآخرين، مما قد يجعله دافعا للتفوق والتميز في المجالات التي تتناسب مع قدراته.

أخيرا.. الحياة ليست حلبة سباق يجري فيها الجميع لإثبات تفوقهم وتقدمهم على الآخرين، الحياة ألفة ومودة وسلام.

@aziz33