أحمد محمد الألمعي

السياسي المهرج والسلطة

الأربعاء - 08 يونيو 2022

Wed - 08 Jun 2022

يبدو أن التهريج السياسي أسلوب انتشر في الفترات الماضية نتيجة صعود الكثير من الأشخاص إلى مراكز سلطة بدون أن تكون لهم خبرة أو خلفية بطبيعة مسؤولياتهم والنتيجة في كثير من الأحيان كارثية.

وفي محاولة للبحث عن نشأة شخصية المهرج وبحسب عدة مصادر «لا يعرف على وجه التحديد متى ظهرت شخصية المهرج لأول مرة في التاريخ الإنساني، إلا أنه سجل حضورا في الحضارات القديمة؛ ففي مصر القديمة وقبل ما يزيد عن 5 آلاف عام استخدم المصريون القدماء الأقزام ذوي البشرة السمراء المعروفين تاريخيا باسم «الدانجاز» لإضفاء روح المرح في القصور الحاكمة؛ إذ كانوا يرتدون جلود النمور ويلونون وجوههم.

كما ظهر المهرجون في الصين القديمة في القصر الإمبراطوري في عهد أسرة تشو في حوالي ألف عام قبل الميلاد، وكانت اليونان تحفل بأنواع متعددة لمهرجين من أشهرهم مهرج يدعى ستيوبديتوس.

وفي القرن السادس عشر وبعدما بدأ يُنظر لهذ الفن بشيء من التنظيم ومع افتتاح السيرك خصصت فقرة كاملة للمهرج في هذه الاستعراضات».

«في الكوميديا الإيطالية تبلورت صورة المهرج في المشاهد المرتجلة على خشبة المسرح بين القرنين السادس عشر والثامن عشر.

وكان دور المهرج قاصرا على كوميديا تعتمد بشكل أساسي على شخصية الأحمق الذي يتعثر بسهولة ويجهل كيفية التصرف في أشد أمور الحياة من أبسطها إلى أشدها، فهناك الأحمق أرليكينو أو الهارليكوين الذي سميت باسمه الشخصية الشهيرة في قصص أفلام باتمان وتم استلهام أسلوب ملبسها منه». واستمر ظهور المهرج إلى وقتنا هذا بنفس هذه الصورة مع اختلافات بسيطة.

ويلجأ كثير من الساسة، المسؤولين والمشاهير وحتى بعض رؤساء الدول لأسلوب أقرب للكوميديا والتهريج في خطاباتهم وتعاملهم مع مواقف جادة وردود على خصومهم السياسيين ومعارضيهم، حتى يصل الأسلوب في بعض الأحيان إلى استخدام ألفاظ سوقية وعبارات ساخرة وشخصية غير لائقة، فهل هذا سببه قلة الخبرة في مركز السلطة والمنصب، أم بسبب نفاذ الحجة المقنعة فتكون أسهل طريقة للرد هو أسلوب السخرية والتهريج، أم أن هذا هو في الأساس الأسلوب الوحيد الذي اعتادوا عليه فهم لا يعرفون غيره، أم أن هناك دوافع أخرى يلجأ لها المشاهير لإحداث فرقعات إعلامية عندما تنحسر الأضواء عنهم بهدف خلق جدل وبلبلة تعيد لهم الأضواء؟

هناك دوافع كثيرة، وهذا السلوك ليس حكرا على فئة دون غيرها ولا يمنع ذلك من إثارة الاستغراب وردات الفعل القوية، فيصبح الموضوع مجالا مفتوحا للكل ليدلي بدلوه، ويجده فرصة للتعليق والمشاركة. وهناك الكثير من الأمثلة المنتشرة التي تظهر للجميع بين الفينة والأخرى بسبب التمدد الإعلامي وسهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، علما بأن المملكة هي من أوائل دول العالم في استخدام حسابات السوشيال ميديا مثل التويتر ووسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت وسيلة يستخدمها «كل من هب ودب».

دعوني أذكر مثلا حاضرا للتهريج السياسي وهو شخصية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي مقارنة بخصمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فمن المعروف عن الرئيس بوتين أنه رجل دولة مخضرم خدم في الاستخبارات الروسية لسنوات طويلة ورأس هذا الجهاز لفترات كانت صعبة في تاريخ روسيا الحديث قبل أن ينخرط في السياسة وله فيها باع طويل.

بالمقارنة فالرئيس الأوكراني شخص لم يكن له أي خبرة في السياسة ولم يتقلد أي مناصب حكومية، فهو ممثل كوميدي ساخر اشتهر بدوره في مسلسل تلفزيوني بعنوان «خادم الشعب» يتضمن مشهدا تمثيليا يؤدي فيه فولوديمير زيلنسكي دور أستاذ تاريخ يصبح رئيس جمهورية، قبل أن يفاجأ بفرار شعبه بعد أن ينزل إلى الشوارع ويجدها فارغة.

دور كاد يتحول إلى حقيقة في الأيام الماضية التي شهدت نزوحا لعدد كبير من مواطني ذلك البلد خوفا من الحرب.

ترشح زيلنسكي للانتخابات الرئاسية في فترة صعبة من تاريخ بلاده اتسمت بالشعبوية والفساد، وانتصر على منافسه بيترو بوروشنكو بنسبة تتجاوز 70% من أصوات الناخبين. وظهر أسلوب زيلنسكي الساخر في كثير من المواقف السياسية الجادة؛ فعلى سبيل المثال كان قرار بوتين الاستفزازي بمنح جوازات سفر روسية للمواطنين الأوكرانيين في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، سببا لرد ساخر من قبل زيلنسكي معلنا «منح الجنسية الأوكرانية للروس وغيرهم ممن قال إنهم يعانون من أنظمة استبدادية أو فاسدة»، وكما رأينا كان جواب بوتين صارما وعمليا بغزو أوكرانيا.

ولا يزال زيلنسكي يظهر يوميا بخطابات استعراضية في مشاهد تمثيلية يجيدها مستعطفا الغرب الذي خذله، ونتيجة لقلة خبرته السياسية، كانت أوكرانيا هي كبش الفداء الذي استخدمه الغرب بهدف إضعاف روسيا، وأدت الحرب إلى دمار واسع في البنية التحتية والاقتصاد.

وهناك الكثير من أمثلة أخرى للمهرجين السياسيين والزعماء الدينيين، فنرى «السيد أبي رغال» يظهر في خطابات شبه يومية يهاجم فيها المملكة ومناوئيه السياسيين بطريقة ساخرة يتخللها الكثير من التهريج، متناسيا الدمار الذي ألحقه هو وحزبه العميل لطهران بدولة جميلة كانت مثالا للديمقراطية والحضارة.

والطريف في الموضوع، أنه يتهم خصومه بشكل متواصل بالعمالة متناسيا المثل «من يسكن في بيت من الزجاج لا يرمي الناس بالحجارة»، فهو من النوع الثرثار الذي حفلت خطاباته بتصريحات تدينه عن أن سلاح حزب الشيطان ورواتبه وطعامه يأتي من الجمهورية الإسلامية في إيران، وأن هدفه الأسمى هو أن تكون لبنان جزءا من هذه الجمهورية الفاسدة التي كرهها ونبذها شعبها ويتظاهر ضدها بشكل يومي.

ولا يتسع المقال هنا لذكر الكثير من الأمثلة الأخرى في عصرنا الحديث لمهرجين وجدوا أنفسهم في السلطة التي لم يعتادوا عليها، ويلجؤون في الغالب لمهاراتهم الفطرية في التعامل مع المواقف المصيرية والجادة مثل السرقة والخداع والتضليل والسخرية والأسلوب السوقي الذي يظهر جليا في اللقاءات التلفزيونية كما رأينا وتابعنا لمتحدث ميليشيا الحوثي الذي لجأ في أحد لقاءاته إلى استخدام أسلوب السب القذر الذي تعود عليه متناسيا كونه في لقاء يذاع في جميع أنحاء العالم.

ونرى نفس الأسلوب يستخدم من قبل زعماء الميليشيات الإيرانية في العراق فهم لصوص وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في مراكز سلطة ونفوذ، فهم يلجؤون لحل خلافاتهم السياسية بالأسلوب الذي تعودوا عليه وهو البلطجة والتصفية الجسدية.

هناك عوامل نفسية أسبابها اقتصادية ودينية وأنظمة سابقة قمعية أدت بالشعوب لانتخاب أمثال هؤلاء ووضعهم في مراكز سلطة أكبر منهم، ولا يستطيعون التراجع خوفا من النتائج الشخصية التي قد تلحق بهم فيستمرون في تمثيل المسرحية وخداع من حولهم الذين دعموهم وأوصلوهم إلى السلطة والنتيجة معروفة.

@almaiahmad2