محمد الصادق

الثقافة القانونية حماية لمجتمعنا وأبنائنا

الأربعاء - 08 يونيو 2022

Wed - 08 Jun 2022

شن مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي هجوما شرسا قبل أيام على ذلك الشخص الذي قام بالاعتداء على ممرضة سعودية في أحد مستشفيات محافظة المجاردة بمنطقة عسير، وكان رأي أغلبية الناس يقول بأن لا بد من اتخاذ أقسى العقوبات اتجاه المعتدي لكي يكون عبرة لمن لا يعتبر، وحتى لو افترضنا جزافا أن الممرضة قامت بالتنازل عن حقها الخاص فلا بد أن لا يسقط الحق العام وهذا ما تقوله النصوص القانونية في مثل هذه القضايا.

في الحقيقة تثير سخطي مثل هذه الأحداث كونها تنافي العقلية البشرية المتزنة وتشعرك لوهلة بأنك بين وحوش، فكل من لديه حق يريد أن ينتزعه بالقوة وهذا أمر مقزز ومرفوض تماما! نحن لسنا في غابة بل في دولة قانون، وعلى كل من يفكر بأن يستخدم قوَته الجسدية بأن يتذكر أن الحساب عسير والدولة لا تتجاوز في مثل هذه الأمور لكون المواطن بل بشكل أصح أقول الإنسان لديه كرامة لا يقبل المساس بها أبدا.

قد أتعاطف مع أي مخطئ فنحن بشر والخطأ جزء لا يتجزأ من التكوين البشري ولكني لست من المتعاطفين مع المخطئين في مثل هذا النوع من الاعتداءات، وذلك لأنهم لم يبحثوا عن حقوقهم بل سعوا إلى فرض قواهم وإظهارها للعلن من أجل أن يقولوا «نحن هنا»، ولذلك أنا أرى أن هؤلاء لا يمكن أن يقوم بردعهم سوى القانون لكي يدركوا ما بعد هذه التجربة أن طريق الحقوق يكون عبر الإدارات والجهات الرسمية وإيصال الشكوى بطريقة حضارية وراقية.

إلى جانب العقوبات أتمنى أن يكون هناك تأهيل وعلاج نفسي لكل من يقع في مثل هذا النوع من القضايا خصوصا وأنني لا أعتقد أن هناك شخصا بصحة نفسية جيدة يمكن أن يقوم بمثل هذه التصرفات العنيفة، وبالنسبة للذين يقولون بأن من قام بهذا الاعتداء هو طالب جامعي وفي بداية حياته وقد يكون الاندفاع هو من جعله يقوم بذلك، اسمحوا لي أن أقول لكم بأن ليس هناك أسوأ من التبرير لمخطئ كاد يكون مجرما وقاتلا لولا لطف الله في ذلك الوقت! ليس علينا الانتظار إلى أن يتحول هذا الشاب إلى سافك للدماء ثم نطالب بمحاسبته، بل على العكس تماما لا بد من محاولة تقويمه لكي يعود إلى رشده ويخدم وطنه وقيادته، ويكون نموذجا إيجابيا وهذا أمر غير مستحيل، فالأمثلة كثيرة ولا أود ذكر بعض الأسماء احتراما لخصوصيتهم.

قد يكون هناك سنوات ستذهب هباء من عمره وهو حبيس القضبان لكن صدقوني ما إذا قرر من الداخل بأن يصلح ذاته سيستطيع ولن تكون هذه التجربة قاسية وحسب، بل إنه قد يتعلم منها بما يعود عليه بالنفع بعد خروجه وعودته للحياة.

ومن لديه ابن في مرحلة الشباب والمراهقة عليه أن يتحدث معه بصراحة في مثل هذه القضايا ويتناقش معه من أجل أن يفتح له آفاقا جديدة يستوعب من خلالها ما هو الحق الخاص والحق العام، وكيف له أن يأخذ حقه من أي شخص وفقا للإجراءات والطرق النظامية؟ أعتقد أننا لو استطعنا أن نفعل الدور الحواري في التربية ما بيننا وبين أبنائنا سنستطيع أن نتجاوز العديد من القضايا والمشاكل السلبية، قصور معرفتهم في بعض النواحي نحن من علينا أن نقوم بإكماله فهذا ليس من أجل الحفاظ عليهم فقط بل هو من أجلنا نحن أيضا، لكي لا نتعرض إلى موقف يدمي قلوبنا عليهم بسبب جهلهم في ناحية قانونية أو ما شابه.

أراهن على أن ثقافة أبنائنا ووعيهم بالأمور القانونية سينعكسان بشكل إيجابي على الحالة الاجتماعية في المجتمع وهذا ما سيجعلنا نقلل بشكل تدريجي حدوث الحالات الإجرامية وغيرها، وأقترح في ذات الشأن على وزارة التعليم أن تقوم بطرح مادة تتعلق بالثقافة القانونية ويكون محتواها عبارة عن أبرز الحالات الإجرامية الشائعة مع وجود أمثلة وقصص من أرض الواقع تكون من غير ذكر أسماء ولكن لجعل الطلاب يشعرون بمصداقية أكبر، ولا تكون هذه المادة عبارة عن نصوص قانونية يحفظها الطلاب ويفرغونها في ورقة الاختبار؛ لأن هذه الطريقة التلقينية لن تحقق الغاية التي نسعى إليها، لا بد أن تكون هذه المادة عبارة عن سلسلة من حلقات الرأي والنقاش مع الطلاب لرؤية ما هي الخطوط العريضة التي يعتنقونها في أفكارهم ومن ثم محاولة إيصال الأفكار الإيجابية لهم بطرق مثالية وإقناعية في ذات الأوان.

لعل القضايا الأخيرة التي بدأت تطفو على السطح تجعل بعض الجهات الرسمية تعجل من عملية خلق حلول حقيقية وملموسة لكي نستطيع القضاء على هذا العنف الذي بدأ يتمرد ويؤثر على حياة ومستقبل العديد من الشباب بسبب لحظات التهور التي لم يحسبوا لها حسابا.

ختاما.. بالرغم من أننا نعيش في بلد قلما تحدث فيه حالات إجرامية ولله الحمد إلا أنني أتمنى أن نصل إلى اليوم الذي ننتهي فيه بشكل نهائي من وجود الإجرام في مجتمعنا وبين شبابنا، وأن يكون معدل القضايا الإجرامية صفرا نفتخر ونتباهى به.

@Alsadiq20m