أحمد الهلالي

«ما عاد تقدر تحكم بيتك!»

الثلاثاء - 07 يونيو 2022

Tue - 07 Jun 2022

أعادت الرؤية المباركة 2030 الأمور إلى طبيعتها، وأخرجت المجتمع من سياق الرأي الأوحد، وفتحت قنوات شتى تستوعب كل أطياف المجتمع، ورسمت لكل الأطياف الحدود التي كفلت للجميع حقوقهم، وبينت لهم واجباتهم، فجاء حق الإنسان في الاختيار أيقونة مضيئة في جبين المرحلة، وهذا الحق أيضا له حدوده التي يجب أن نتنبه لها.

يتداول البعض في المجالس الخاصة أن هذا زمن المرأة، ويأتي ببعض قصص الخلع والطلاق، وبعضهم يقول إنه زمن تمرد الشباب على والديهم ويأتي ببعض الأقاصيص عن لجوء بعضهم إلى الجهات العدلية، وآخرون يعلقون (ما عاد تقدر تحكم بيتك)!، فيشوش هذا الطرح على بعض الآباء، أو بعض الأبناء، أو بعض الأزواج، ولبعدي عن المجالات العدلية والحقوقية سأتجنب الخوض فيها وأتحدث من وجهة نظر اجتماعية بحتة.

حين كنا في سياق الرأي الأوحد، كان تسلط من بيده الأمر على الزوجة أو على الأبناء أمرا اعتياديا، مجرد تفكير الضحية في البحث عن مخرج منه يفاقم الأمور عليها أكثر، وحين وجد المشرعون الجدد هذه القضايا بآثارها المدمرة تتكاثر، عملوا على سن القوانين التي تعطي كل ذي حق حقه، فحدت القوانين من (التسلط الجائر)، ومنحت الفئات المحطمة والمسحوقة حق الدفاع عن ذواتهم، وحرست هذا الحق حين يحاول ولي الأمر الحيلولة بين الضحية وبينه كما في السابق، ما يعني أن المشرع أوجد حلا للمقهورين، ولم يفتح بابا للتمرد، كما يحاول بعض شانئي المرحلة تصويره.

نحن مجتمع مسلم، لنا قيمنا الدينية والعربية التي نجلها ونقدرها، نؤمن عميقا بقيمة الأسرة، وبحقوق الوالدين، وكذلك بحقوق الأبناء والبنات، والأزواج، ومن النادر أن نجد من يجرؤ على خرق هذه المواثيق الدينية والاجتماعية لمجرد الخرق والتمرد، وها هي الأسر التي لا تعاني من اختلالات في هذه الروابط والعلاقات تعيش في هناء وسلام، وجل من يلجؤون للتشريعات الجديدة هم أصحاب معاناة حقيقية، ولو لم تكن حقيقية لما أنصفهم القانون ورد إليهم حقوقهم.

يقولون (البيوت أسرار) وحين يتسلط (ولي الأمر) مهما كانت مكانته الاجتماعية، ويخل بالروابط المقدسة التي تربطه بأفراد أسرته، فلا يصح أن نتعاطف معه، ونشنع على المتضررين حين يبحثون عن حقوقهم، فهم ضحايا، نشكر القوانين التي أعادت إليهم ما استلب منهم.

حديثي سابقا لا ينفي وجود بعض المتمردين، خاصة المقلدين، الذين لا يشعرون بقداسة الروابط الأسرية، ولمجرد شعورهم بالضجر أو السأم، أو لأتفه مشكلة أسرية يلجؤون إلى القوانين، فالقوانين الحديثة ليست أداة مناسبة لمثل هذه الحالات، وهذا ما تنبه إليه المشرع، فطور من أدوات (إصلاح ذات البين)، وجعلها أساسا في كل المؤسسات العدلية، وأصبحت لها إحصاءات مبهجة إلى جوار إحصاءات القضايا التي يبت فيها القضاء.

انشروا البهجة بين الناس، وتحدثوا عن التغييرات بإيجابية، فلا يليق أن نقتطع الأقاصيص من سياقاتها بالتشنيع والتهويل، والتشويش على الآخرين بما لو مُحص لما كان جله حقيقيا، فإن كنتم في أسر مطمئنة، فاحمدوا الله وحافظوا على استقرارها، فثمة أسر كانت ترزح تحت نير التسلط الجائر، يمزقها العنف، ويعيش بعض أفرادها تعاسة حقيقية، نسأل الله لهم العافية والسلامة والستر، وأن يبدل أحوالهم إلى خير.

ahmad_helali@