مرزوق بن تنباك

أنت إنسان

الثلاثاء - 07 يونيو 2022

Tue - 07 Jun 2022

أنت إنسان في مجتمعك الصغير ودائرتك المحدودة من الأشقاء والإخوان وممن حولك لابد أن تكون موافقا لهم فيما يرون في حال، ومخالفا لهم في أحوال كثيرة.

والناس في انتمائهم للوطن مثل الأشقاء لانتمائهم لنسبهم واختلافهم في أعمالهم وأخلاقهم وطباعهم، يختلف الناس وتتعارض مصالحهم وغاياتهم ولهم طرائقهم في مبررات الاختلاف والتوافق ولا يوجد مجتمع إلا وفيه نزعة قائمة نتيجتها الاختلاف حيت توجد أسبابها ومحركات إثارتها (ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، وفيه مع ذلك كثير من روابط الاتفاق وأسباب التواصل حين توصد الطرق في وجوه الداعين إلى نشر أسباب الخلاف وتوظيفه.

والنص الكريم يشير إلى طبيعة البشر وأن الاختلاف جزء من وجودهم وضرورة لحياتهم في بعض الأحيان وما دام الناس لا يمكن أن يكونوا أمة واحدة ولا طبقة واحدة وأن الاختلاف هو سنة الحياة وناموس الكون فقد أدارت المجتمعات البشرية علائقها وروابطها على هذا الأساس المختلف ولم تنص قوانينها وأعرافها على أن يكون الناس نسخة واحدة في عاداتهم ومعتقداتهم وشعورهم وأفراحهم وأتراحهم، وتركت للناس مساحة واسعة لكي يمارسوا الرأي وحرية الاختيار ولكن في إطار عام هو إطار الانتماء الشامل الذي يعيش الجميع تحت مظلته الواسعة ذلك الانتماء هو انتماؤك الذي ينتمي الجميع إليه.

في الزمن القديم كانت الانتماءات عامة مثل الانتماء للجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو حتى القارة من الأرض التي تحقق انتماء إليها، وفي كل دائرة من هذه الدوائر الكبيرة يجتمع أناس شتى، حتى جاء العصر الحديث فأخرج الإنسان من هذه الشمولية الواسعة إلى دوائر أكثر دقة وتحديدا مع أنه قد جمع هذه الثنائيات السابقة واختصر ذلك فيما أصبح يسمى الوطن والهوية الوطنية الحديثة؛ فكان الوطن وكانت المواطنة هي ذلك الأب الذي يختلف أبناؤه في شؤونهم وأغراض حياتهم ولكنهم يبقون محافظين على النسب الذي يجمعهم بالرغم من كل عوامل الاختلاف بينهم، ونحن نعرف في تراثنا الثقافي الشيء الكثير من صور التعايش مع المختلف عنا رأيا أو مذهبا أو دينا أو حتى طريقة حياة دون تجريمه أو حرمانه من حقه الذي تضمنه المواطنة دون التحريض عليه أو عزله أو الدعوة لمقاطعته أو نبذه أو الحكم عليه بدخوله الجنة أو النار.

في حاضر العالم اليوم أصبحت رابطة المواطنة وأخوته ضمانا لكل أبنائه حيث تستوي الحقوق والواجبات وتقوم الدولة العصرية بحماية الحقوق ومنع بغي القوي على الضعيف والكثرة على القلة ورد الظلم عن كل من يعيش بصفته مواطنا في وطنه، وضمان حرية رأيه ومعتقده، ولأن الحديث الإنشائي عن هذه المثاليات لا يكفي فقد وضعت المجتمعات المعاصرة الأنظمة والتشريعات التي تضمن الحقوق للناس وتحميها بقوانين تجرم من يتجاهل حقوق المواطنة أو يتطاول على شركائه بالوطن تحت أي ذريعة كانت.

وقد سنت القوانين في جميع دول العالم التي تجرم كل من يتطاول على حقوق المواطنة والمواطن أو ينال من كرامته أو يحرض عليه بسبب رأيه أو مذهبه أو نسبه أو لونه وجنسه أو فكره ومعتقداته أو يدعو للكراهية والبغضاء بأي صورة من صور التحريض.

Mtenback@