عبدالله قاسم العنزي

تصوير الأشخاص مخالفة أم جريمة؟

الاحد - 05 يونيو 2022

Sun - 05 Jun 2022

لقد انتشر في مجتمعنا ظاهرة الهوس بالتصوير بسبب انتشار الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا؛ فبات أمرا غير مستغرب ومعتاد؛ فتجد الكثير يصورون بهواتفهم النقالة في أماكن عامة وأماكن عملهم وفي المستشفيات وفي الطريق وفي كل مكان يرون لزوم توثيق موقف ما أو صورة ما ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون النظر بما يؤول ذلك التصرف من آثار سلبية والذي قد يكون فيه تعد على حقوق الآخرين أو خصوصياتهم.

إن الذي يعنينا في هذا السياق التكييف القانوني لظاهرة التصوير المباشر للأشخاص دون علمهم أو أخذ الإذن منهم؛ لأن لهم الحق في الصورة بل إن من فقهاء القانون من جعل الحق في الصورة مرتبطا بفكرة الحقوق الملازمة للشخصية وأن هذا الحق يخوله الاعتراض على إنتاجها أو نشرها دون رضاه ولو لم يصبه ضرر جراء هذا الفعل؛ فالحماية تنصب على نشر الصورة أو تقليدها بغض النظر عن الدافع فمن تعرض إلى تصور شخصه دون علمه له حق منع المصور من ذلك؛ لأنه قام بتصوره دون إذن منه أو دون علمه، وعودة على التكييف القانوني لهذه الظاهرة يثور سؤال مهم «ما مدى تجريم هذا السلوك الذي قد يكون عفويا في الأماكن العامة أو المناسبات العامة؟» فالكل يقوم بالتصوير عبر كاميرا الهاتف النقال ولا يستأذن من الجمهور المتواجدين في المكان.

سيما أن في نظام الجرائم المعلوماتية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/17 وتاريخ 8 / 3 / 1428هـ في المادة الثالثة ينص على «أن المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين».

وهذا يدفعنا بالتأمل بالنص السابق وإشكالاته لوجدنا أن مناط التجريم المساس بالحياة الخاصة عبر إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، مع العلم أن مفهوم الحياة الخاصة غامض ونسبي ومختلف فيه فقها وقضاءا! والمنظم السعودي لم ينص على تعريف الحياة الخاصة أو تحديد سماتها وإنما اكتفى بحمايتها بعقوبات وهذه إشكالية من حيث كيف ينص على حماية الحياة الخاصة دون أن يحدد مضمونها أو يحدد محل الحماية وهل المقصود من محل الحماية هو التصوير؟

وحتى نفك الالتباس حول هذه المسألة القانونية المختلف فيها يجب أن ننظر إلى أن مقصد المنظم السعودي من ذكر الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها هو التصوير أي إنتاج صورة أو التعديل عليها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهذا ما عده إساءة في الاستخدام.

فحينئذ فإن مجرد تصوير الشخص دون الإذن لا يعد جريمة ولا مساس بالحياة الخاصة خصوصا إذا كان في مكان عام أو مناسبة عامة بل يعد ذلك مخالفا لائحة المحافظة على الذوق العام، حيث نصت على أن تصوير الأشخاص بشكل مباشر دون استئذانهم يعاقب بغرامة ألف ريال مع حذف الصور أو مقطع الفيديو.

إذن يمكننا القول بأن تكييف تصوير الأشخاص وتجريمه إنما يكون وفق ما قرر له القانون من وصف من حيث البحث في مقاصد النظام في كلمة الإساءة في الاستخدام وما هي الظروف المحيطة بها ليعد ذلك جريمة معلوماتية أو مخالفة للذوق العام الآداب العامة.

ختاما: الحق في الصورة ذو طبيعة مزدوجة فيكون مستقلا وعنصرا من عناصر الحياة الخاصة بمعنى إذا تعلقت الصورة بالحياة الخاصة مثل تصوير رجل وزوجته أو أبنائه في حديقة منزلهم أو في مكان عام بسيارتهم ونحوه مما يكون منفصلا عن الحياة العامة فالتقاط الصورة بهذه الظروف والأوصاف يعد مساسا بالحياة الخاصة وجريمة وقد يكون الحق في الصورة مستقلا من أن إذا تعلقت الصورة بالحياة العامة للشخص كمن صور في مكان عام أو مناسبة عامة مباشرة فإن ذلك لا يعد انتهاكا لخصوصيته إنما يعد من المخالفات التي نصت عليها لائحة المحافظة على الذوق العام.

expert_55@