بين الحرب والسلام
السبت - 04 يونيو 2022
Sat - 04 Jun 2022
تنزلق طبيعة العلاقات بين القوى الدولية الكبرى إلى صراع في منطقة وسط بين ثنائية الحرب والسلام، وهذه الحالة غالبا ما تقود إلى الحيرة والغموض حيال طبيعة الصراع وما ستفضي إليه من سياسات واتجاهات جديدة ربما ستستمر زمنا طويلا وتنعكس على دول العالم الأخرى، فمن جهة، يستمر العالم الغربي في ضخ عشرات العقوبات على روسيا ومليارات الدولارات من الأسلحة والمعدات العسكرية لدعم أوكرانيا التي ما زالت تطلب المزيد غير فطنة لعواقب الاستجرار الغربي، ويحاول العالم الغربي في الوقت ذاته تأمين إمدادات الطاقة والغذاء لنفسه بصرف النظر عما ستحتاجه أو ستعانيه بقية دول العالم.
ومن الجهة الأخرى تصر روسيا على توسيع إجراءاتها العقابية المعاكسة تجاه ما تصنفها «دولا غير صديقة» لتشمل تلك الإجراءات تسييس القطاع المالي وإمدادات الطاقة والغذاء وفق منطق المعاملة بالمثل، حتى وإن كلفها ذلك عزلا موجعا عن النظام الاقتصادي العالمي، خاصة وأن روسيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي الكامل في هذه المنتجات، في أثناء عملها على تعافي الروبل الروسي تدريجيا بعدما وصل إلى أدنى مستوياته أوائل شهر مارس الماضي.
ويكاد يكون من البديهي التماس شدة تأثير العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ومخاطرها على الدول النامية خاصة من حيث إمدادات الغذاء، لكن في الحقيقة، وعلى خلاف الولايات المتحدة، فكلما قست أوروبا في عقوباتها على روسيا وزادت أيضا من مساعداتها العسكرية لأوكرانيا فهي تقسو على نفسها أكثر بالنظر إلى روابط الجغرافيا المقترنة مع البيئة الاقتصادية والأمنية، فروسيا تعد ثالث أكبر مورد لأوروبا بعد الصين والولايات المتحدة -بحسب هيئة «يوروستات» الأوروبية للإحصاءات- وهو ما يعني أن الشركات الأوروبية ستواجه خطر الدخول في اضطرابات اقتصادية كبيرة وهي لم تتعاف بعد من صدمة جائحة كورونا، واستجابة لاستمرار هذه الحالة ستخرج الدول الأوروبية منهكة اقتصاديا وسياسيا من هذا الصراع مما سيهدد مكانتها القيادية، وسيفسح المجال لبروز قوى جديدة تتسم سياساتها بالاستقلالية وتنويع التحالفات الاستراتيجية.
ويبدو أن عددا من النخب والأحزاب الحاكمة في مختلف أنحاء العالم متحفزة لهذه الفكرة وهي تتابع أيضا مناورات الولايات المتحدة بالقرب من حافة العجز عن الحفاظ على سلامة علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين واتساع الفجوات بينهم، وكل ما تحتاجه هذه الدول الآن هو التكيف مع الاحتياجات الدولية الحديثة، وزيادة الدوافع نحو إنجاز الاستقلالية من خلال إعلاء شأن الروح الوطنية ومناداة المجتمع الدولي بتشكيل نظام اقتصادي مبني على النمو الذاتي للدول وليس بالضرورة عبر الاعتماد المتبادل الذي فشل في إيقاف الحرب الروسية، مع دعم وتعزيز المعايير المناهضة للرأسمالية والليبرالية السياسية في الثقافة العامة في مقابل الدعوة إلى الاعتراف بالتعددية الثقافية واحترامها، خاصة بعد ما لمسته هذه الدول من تمحور كافة التدابير الغربية الوقائية في مجال الطاقة والأمن الغذائي حول العالم الغربي فقط؛ ليس من مكانة الحاجة الملحة، ولكن من مكانة المتعالي الذي ينظر إلى نفسه بأنه «المركز» الذي لا يلزمه أن تكون علاقاته متكافئة مع «الهامش» من الدول، فهما على طرفي نقيض دائما.
إن زمان الدول ليس زمانا ميكانيكيا خطيا يؤدي إلى نتيجة واحدة حتمية، بل هو زمان ذو حركة دائمة يشمل في أطواره التكون والنشوء ثم التغيير والسقوط والنهوض والهيمنة وغيرها من الأطوار التي لا تتبع نمطا كونيا محددا، وهذه الحالة التي يعيشها العالم ما بين الحرب والسلام أكدت أن ما هو كائن اليوم في النظام الدولي وطبيعة العلاقات بين الدول ليس شرطا أن يكون الشكل الأمثل لما يجب أن تكون عليه بعد هذا الصراع، وهذا كفيل بأن تدركه الدول المتحفزة حاليا بكافة حواسها السياسية والأمنية والاقتصادية؛ ليكون محركا لتخارجها من هذا الصراع بمراكز أقوى وفق مقياس التاريخ، إذا ما توافرت لديها الإرادة السياسية في تغيير سير هذه الأزمة لصالحها.
@9oba_91
ومن الجهة الأخرى تصر روسيا على توسيع إجراءاتها العقابية المعاكسة تجاه ما تصنفها «دولا غير صديقة» لتشمل تلك الإجراءات تسييس القطاع المالي وإمدادات الطاقة والغذاء وفق منطق المعاملة بالمثل، حتى وإن كلفها ذلك عزلا موجعا عن النظام الاقتصادي العالمي، خاصة وأن روسيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي الكامل في هذه المنتجات، في أثناء عملها على تعافي الروبل الروسي تدريجيا بعدما وصل إلى أدنى مستوياته أوائل شهر مارس الماضي.
ويكاد يكون من البديهي التماس شدة تأثير العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ومخاطرها على الدول النامية خاصة من حيث إمدادات الغذاء، لكن في الحقيقة، وعلى خلاف الولايات المتحدة، فكلما قست أوروبا في عقوباتها على روسيا وزادت أيضا من مساعداتها العسكرية لأوكرانيا فهي تقسو على نفسها أكثر بالنظر إلى روابط الجغرافيا المقترنة مع البيئة الاقتصادية والأمنية، فروسيا تعد ثالث أكبر مورد لأوروبا بعد الصين والولايات المتحدة -بحسب هيئة «يوروستات» الأوروبية للإحصاءات- وهو ما يعني أن الشركات الأوروبية ستواجه خطر الدخول في اضطرابات اقتصادية كبيرة وهي لم تتعاف بعد من صدمة جائحة كورونا، واستجابة لاستمرار هذه الحالة ستخرج الدول الأوروبية منهكة اقتصاديا وسياسيا من هذا الصراع مما سيهدد مكانتها القيادية، وسيفسح المجال لبروز قوى جديدة تتسم سياساتها بالاستقلالية وتنويع التحالفات الاستراتيجية.
ويبدو أن عددا من النخب والأحزاب الحاكمة في مختلف أنحاء العالم متحفزة لهذه الفكرة وهي تتابع أيضا مناورات الولايات المتحدة بالقرب من حافة العجز عن الحفاظ على سلامة علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين واتساع الفجوات بينهم، وكل ما تحتاجه هذه الدول الآن هو التكيف مع الاحتياجات الدولية الحديثة، وزيادة الدوافع نحو إنجاز الاستقلالية من خلال إعلاء شأن الروح الوطنية ومناداة المجتمع الدولي بتشكيل نظام اقتصادي مبني على النمو الذاتي للدول وليس بالضرورة عبر الاعتماد المتبادل الذي فشل في إيقاف الحرب الروسية، مع دعم وتعزيز المعايير المناهضة للرأسمالية والليبرالية السياسية في الثقافة العامة في مقابل الدعوة إلى الاعتراف بالتعددية الثقافية واحترامها، خاصة بعد ما لمسته هذه الدول من تمحور كافة التدابير الغربية الوقائية في مجال الطاقة والأمن الغذائي حول العالم الغربي فقط؛ ليس من مكانة الحاجة الملحة، ولكن من مكانة المتعالي الذي ينظر إلى نفسه بأنه «المركز» الذي لا يلزمه أن تكون علاقاته متكافئة مع «الهامش» من الدول، فهما على طرفي نقيض دائما.
إن زمان الدول ليس زمانا ميكانيكيا خطيا يؤدي إلى نتيجة واحدة حتمية، بل هو زمان ذو حركة دائمة يشمل في أطواره التكون والنشوء ثم التغيير والسقوط والنهوض والهيمنة وغيرها من الأطوار التي لا تتبع نمطا كونيا محددا، وهذه الحالة التي يعيشها العالم ما بين الحرب والسلام أكدت أن ما هو كائن اليوم في النظام الدولي وطبيعة العلاقات بين الدول ليس شرطا أن يكون الشكل الأمثل لما يجب أن تكون عليه بعد هذا الصراع، وهذا كفيل بأن تدركه الدول المتحفزة حاليا بكافة حواسها السياسية والأمنية والاقتصادية؛ ليكون محركا لتخارجها من هذا الصراع بمراكز أقوى وفق مقياس التاريخ، إذا ما توافرت لديها الإرادة السياسية في تغيير سير هذه الأزمة لصالحها.
@9oba_91