زيد الفضيل

تبوك عروس الشمال

السبت - 04 يونيو 2022

Sat - 04 Jun 2022

لن ينسى جيلي ذلك البرنامج الفريد الذي حمل عنوانا بسيطا جدا لكنه متفردا في مضمونه ومحتواه وهو برنامج «ربوع بلادي» من إعداد وتقديم الإذاعي الشامل خالد زارع وإخراج يحيى توفيق، والذي عرض لأول مرة في عام 1399هـ، وكان له الدور الكبير في تعريف المشاهدين بمدن ومحافظات المملكة وأهم المعالم التاريخية فيها. وأجزم ألا أحد من جيلي يمكن أن ينسى أغنية البرنامج المصاحبة والتي قامت بأدائها عفراء المرزوقي بصحبة مجموعة من الأطفال وتقول فيها: ربوع بلادي، علينا بتنادي، وتقول تعالوا، شوفوني يا أولادي، بلادي بتنادي يا أولادي.

كان ذلك ما لهج به فؤادي، ونطق به لساني، وأنا أحط الرحال من بعد غيبة طويلة في مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز بمدينة تبوك، لأجده مختلفا عن سابقه، حديثا في تصميمه بجسوره المتحركة إلى باب الطائرة، وما يعنيه ذلك من سلاسة في الحركة وصولا إلى الساحة الخارجية الأنيقة بمظهرها، والرحبة بمساحتها وبإنسانها البشوش اللين في تعامله، لاسيما عنصر الأمن الموكل إليه تسيير حركة المرور، ذلك الذي لم أره متوترا وهو يستحث المركبات للتحرك حال توقفها السريع لتحميل الواصلين، والحال كذلك مع جميع قائدي المركبات الذين لم يتأففوا جراء تأخرهم قليلا، وكأنهم متوافقون على ذلك بخلق مدني قلما تعيشه المدن الرئيسة.

أدركت في حينه أنني في مدينة مختلفة، سمحة بطبيعتها على الرغم من تنوعها السكاني، واختلاف مشاربهم.

وهو ما تأكد لي مع مرور الوقت، حيث دلفت إلى مدينة واسعة الأرجاء بشوارعها الفسيحة، ومسطحاتها الخضراء الواسعة، وبتخطيطها الحضري الجميل، ودماثة أهلها، وكان أن تنبهت إلى اهتمام قائدي المركبات بالقواعد المرورية وبخاصة عند الميادين الدائرية (الدوارات) كما نقول، فكان أن لاحظت ورفاقي ولمرات عدة التزام المركبات بنظام الأفضلية في الحركة لمن هو في داخل الميدان، وحقا ولوهلة تصورت أني في مدينة خارج المملكة، وليعذرني أهلي في مدينة جدة فغالبا لا نلتزم وأنا منهم بهذه القاعدة المرورية، ونتصور بأن الحق للأجرأ للأسف الشديد.

في تبوك رأيت حياة مدنية عالية المستوى، مكتملة الخدمات التعليمية على الصعيد العام والعالي بمدارسها وجامعتها الحكومية والأهلية، ومستوفية في جانبها الصحي بمستشفياتها العامة والمتخصصة، ناهيك عن خدمات البلدية المختلفة وغيرها من الخدمات العامة والخاصة التي حرص سمو أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان على اكتمالها وبشكل نموذجي كما أتصور، ولا أقول ذلك من باب الحدس والتخمين بل من باب المشاهدة والمعرفة، ثم من باب النظر في سلوك ساكنيها الذين أشرت إلى جانب منهم، وهو أهم جانب يمكن أن ترقب فيه أي مجتمع.

في هذا السياق أشير إلى أهمية مدينة تبوك في ذاكرتنا التاريخية، فهي المدينة التي استقبلت جيش العسرة بقيادة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما عرف في السيرة المباركة بغزوة تبوك، وهي القاعدة الأولى المركزية بعد ذلك لاستكمال عمليات انتشار المسلمين في أقطار بلاد الشام، ولذلك كانت ولم تزل آخر معاقل شبه الجزيرة العربية على حدود الشمال الغربي وصولا إلى بلدة معان الواقعة حاليا في المملكة الأردنية، كما باتت محطة رئيسة لمختلف قوافل الحج الشامية المتجهة لأرض الحرمين الشريفين، وهو ما يجعل منها مدينة مركزية على الصعيد الجغرافي والحضري.

أختم بالإشارة إلى أن منطقة تبوك ثرية بآثارها التاريخية، وتراثها العمراني الصخري الفريد، وهو ما لاحظته في طريقي إلى مدينة حقل الساحلية على الحدود السعودية الأردنية في خليج العقبة، حيث يزخر الطريق الرابط بين مفرق بلدة بئر بن هرماس ومدينة حقل بكثير من تلك التكوينات الصخرية الجميلة علاوة على غيرها في محافظة حقل، تلك التي تبهرك بساحلها البكر، وجمال تكوينها الجغرافي الجامع بين السهل والتل، واستراتيجية موقعها الجغرافي المطل على دول متنوعة، ناهيك عن صفاء مياهها الذي لم تعبث به عوادي الزمن وآفات المدنية الحارقة.

حقا هي (تبوك التي تنسيك أمك وأبوك) كما جرى القول به في اللغة الدارجة، وهي عروس الشمال وبوابته الرئيسة إلى آفاق بلاد الشام ثقافة ومسكنا، وقبل ذلك وبعده فقد شاءت الأقدار أن تكون هي الأرض التي جمعت في رحابها من كل أبناء المملكة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ليشكلوا نسقا وطنيا واحدا جميلا في مضمونه ومبناه.

zash113@