طامي الشمراني

في خصوصية أدب الرحلات

الخميس - 02 يونيو 2022

Thu - 02 Jun 2022

يمكن القول: «إن الرحلة شكل أدبي يمتاز بتعدد أوجهه وتمظهراته إلى حد جعل الباحثين يذهبون إلى القول: «إنه جنس متكامل يحطم قانون صفاء النوع، وذلك بإدماجه أنماطا خطابية متنوعة من حيث الأشكال والمحتويات، لتجعل منه جنسا مركبا وشموليا وعاما، لا شك أن عناصر أدبية عدة تدعونا لإطلاق نعت الأدبية على فن الرحلات، لعل أبرزها العناصر السردية التي تجعله يتشارك مع فن القص، من دون أن يتطابق معه، ومن أبرز تلك العناصر، حضور عنصر السرد وطغيانه في أدب الرحلات، إضافة إلى منطقية ذاك السرد وتتابعيته، وهذا ما يمايزه عن السرد القصصي والروائي، فالتتابعية هي شكل من أشكال السرد في هذين الفنين، يضاف إلى ذلك عناصر أخرى منها المكان والزمان والشخصيات. وهنا يمكن أن نلحظ فارق جوهري بين شخصية السارد في أدب الرحلات والسارد في القصة أو الرواية، فالسارد في أدب الرحلة هو الكاتب نفسه، هو الراوي والبطل، وهي سمة تميز سرديات الرحلة عن غيرها من فنون السرد المعروفة، بالإضافة إلى التركيز على عناصر أخرى يعتمدها الرحالة في تقديم سردياته، كالحوار والشعر والوصف وغير ذلك.

فالسرد في الرحلة خطاب تنشئه شخصية الرحالة، تحكي فيه أحداث سفر عاشته وتصف الأماكن التي شملتها الرحلة، والأشخاص الذين لقيتهم، وما جرى معهم من حديث، وغايتها من هذا الحكي إفادة القارئ وإمتاعه، من خلال تتابع منطقي للأحداث المسرودة. وبهذا يقدم الراوي معرفة موضوعية أثناء الوصف، كما يقدم تجربة ذاتية أثناء السرد.

ولعل من أبرز ما يمنح الرحلات خصوصية بين الفنون السردية، بالإضافة إلى منحه تسمية الجنس المنفرد عنا، هو الموضوع الذي تقوم عليه الرحلة، وهو السفر والتنقل بين البلدان، إذ يصبح السفر بنية مهيمنة متحكمة وجاذبة لباقي البنى، فكلها خاضعة لبنية السفر ومنطقيتها. ومن هنا يمكن القول «إن هذا ما يسوغ القول بولادة جنس أدبي خاص ومنفصل عن بقية الأجناس السردية هو جنس أدب الرحلات، فهو جنس يؤطره عنصر السفر ويتعالق مع مكونات أخرى مقتبسة من الأجناس السردية والأدبية الأخرى.

كما أن هذا الجنس الأدبي يمتلك في ذاته عناصر تميزه عن غيره، وتجعله سجلا سرديا فنيا مهما بالإضافة إلى كونه سجلا جغرافيا وثقافيا وتاريخية للمرحلة التي يقوم الرحالة بتوصيفها ونقلها إلى الناس، وهذا ما يمنح كتب الرحلات خصوصيتها.

ولعل من أبرز تلك العناصر، البعد المعرفي، إذ إن الرحلات تزدحم بالمعارف المتنوعة مما يجعلها تقدم صورة حقيقية عن العالم الذي تصوره غالبا ما أعان المؤرخين والباحثين على تصور العصر والمرحلة التي قدمتها الرحلة، فهي غالبا ليست لعبة خيالية كما نلحظ في فنون السرد الأخرى، على الرغم من حذر كثير من الباحثين عند التعامل معها باعتبارها مصدرا تاريخيا، انطلاقا من كون المعرفة التي يقدمها الرحالة تخضع لشخصيته ولمرجعيته الثقافية ولمسوغات طلبه للرحلة، وتتداخل فيه خطابات مختلفة (شعر ورسائل، وحكايا ووصف...)، وهذا ما يجعله جنس الأجناس، أو محصلة الأجناس، إذ إنه ينطوي على كل ما يمكن أن يدرجه في خانة الأدب، على أن تقرأ عناصره المتداخلة في ضوء خدمتها للسرد الرحلي، وربما في هذا دعوة إلى دراسة هذا الفن في ضوء هذه المكونات وخصوصيتها.

@tamidghilib1404